تزايد المخاطر الجيوسياسية: تأثيرها على استقرار السوق وزيادة تكاليف التأمين

تزايد المخاطر الجيوسياسية: تأثيرها على استقرار السوق وزيادة تكاليف التأمين

توقع اتحاد شركات التأمين المصرية استمرار تعرض العالم لتوترات سياسية وصراعات متكررة، خاصة في ظل التنافس على الموارد الطبيعية، والتغيرات المناخية، والهجرات الجماعية، مما يعني أن صناعة التأمين ستبقى في حالة تأقلم دائم مع هذه التغيرات، سواء من خلال تطوير منتجات تأمين جديدة، أو اعتماد آليات تسعير مرنة، أو تعزيز التعاون الدولي في مجال إعادة التأمين.

وفي دراسة حديثة، أوصى الاتحاد بإعادة تصميم نماذج التسعير والاستهداف الاكتواري لتشمل المتغيرات الجيوسياسية، والاتجاه نحو تنويع مصادر إعادة التأمين من خلال شركات إقليمية أو تحالفات مع معيدي تأمين في آسيا وأمريكا الجنوبية. كما أكد على أهمية تعزيز الاستثمار في التكنولوجيا لتوفير نماذج تقييم مخاطر أكثر مرونة وسرعة في التفاعل مع الأحداث العالمية، بالإضافة إلى توسيع نطاق تأمين مخاطر التوريد والمخاطر السياسية، خصوصًا للمصدرين والمستوردين الذين يتعاملون مع أسواق عالية المخاطر، وتطوير منتجات جديدة تتماشى مع المخاطر الجيوسياسية مثل تأمين اضطرابات النقل أو تأمين سلسلة الإمداد الدولية، فضلاً عن تفعيل دور صناديق الطوارئ والاحتياطات الفنية بما يتناسب مع اتساع نطاق المخاطر.

وحسب الدراسة، تتأثر صناعة التأمين بالأوضاع الجيوسياسية من عدة جوانب، منها ارتفاع معدلات المخاطر الناتجة عن التوترات السياسية، مما يؤثر على التوقعات المتعلقة بالخسائر، ويؤدي لزيادة الأقساط وارتفاع مستوى الحذر في الاكتتاب. كما أن تغير شروط إعادة التأمين في حالات النزاعات أو العقوبات الدولية قد يفرض شروطًا أكثر صرامة من شركات إعادة التأمين على الدول المعنية، مما يعطل سلاسل الإمداد، حيث تؤثر الحروب أو العقوبات على النقل والتجارة العالمية، مما يرفع من تكلفة التأمين البحري والنقل، بالإضافة إلى زيادة المطالبات في حالات الغزو أو الاحتلال أو العقوبات، مما قد يؤدي لارتفاع المطالبات بشكل مفاجئ، وبالتالي خسائر حادة لشركات التأمين، فضلاً عن صعوبة تسوية المطالبات عبر الحدود نتيجة القيود المصرفية أو المالية الناجمة عن النزاعات.

ومن أبرز المخاطر الجيوسياسية المؤثرة في العقد الحالي:

– النزاع الإيراني الإسرائيلي: أثر بشكل مباشر على تأمين شحنات النفط والغاز، وكذلك التأمين على المصانع والمرافق النفطية.

– النزاع في بحر الصين الجنوبي: أدى إلى تهديد الملاحة والتجارة العالمية وزيادة تكلفة التأمين البحري في آسيا.

– الانقلابات في أفريقيا وغرب الساحل: أثرت على الاستثمارات الأجنبية، خاصة في قطاع التعدين والطاقة، مما ينعكس على تغطيات التأمين التجاري والاستثماري.

– العقوبات الغربية على روسيا وإيران وفنزويلا: تؤثر في إمكانية التعاقد مع شركات إعادة تأمين غربية، وتحد من تدفقات المطالبات عبر الأنظمة المالية.

تمثل النزاعات المسلحة والأزمات السياسية أحد أبرز العوامل التي تعطل حركة التجارة العالمية، حيث تؤدي هذه الاضطرابات إلى إغلاق ممرات بحرية أو برية حيوية، أو فرض قيود على صادرات وواردات بعض السلع، أو حتى تجميد الأصول والشركات، مما يتسبب في اضطراب سلاسل الإمداد وزيادة تكاليف النقل، وهو ما يدفع إلى زيادة الطلب على التأمين، لا سيما التأمين البحري والجوي وتأمين الشحنات.

فعلى سبيل المثال، تسببت الحرب الروسية الأوكرانية التي اندلعت عام 2022 في إغلاق العديد من الموانئ البحرية في البحر الأسود، مما أدى إلى تقليص حركة الشحن البحري وارتفاع تكاليف التأمين على السفن والشحنات العابرة لتلك المنطقة. كما أدى النزاع بين الجانبين الإيراني والإسرائيلي إلى تعطيل الكثير من الشحنات الجوية بسبب غلق المجال الجوي لأكثر من بلد، بالإضافة إلى تفكير الجانب الإيراني في غلق مضيق هرمز، والذي يُعد أحد أهم شرايين النفط في العالم، ويربط الخليج العربي ببحر العرب، ويمر به قرابة 20 مليون برميل من النفط ومشتقاته يوميًا، مما يمثل نحو خمس شحنات النفط العالمية، مما يجعل محاولة إغلاقه تؤثر على أسواق الطاقة.

كما فرضت العديد من شركات التأمين العالمية حظرًا على تغطية المخاطر في مناطق الصراع، أو رفعت أقساط التأمين بشكل كبير. وقد تسبب التوترات الجيوسياسية في مناطق مثل بحر الصين الجنوبي، والخليج العربي، وأفريقيا، في تعطيل حركة الحاويات والبضائع، وأجبرت شركات الشحن على اتخاذ طرق أطول وأكثر تكلفة، مما أدى إلى زيادة الطلب على التأمين ضد القرصنة البحرية، والتأمين ضد مخاطر الحرب، والتأمين ضد الخسائر الناجمة عن التأخير.

تشكل العقوبات الاقتصادية أداة رئيسية من أدوات السياسة الخارجية، وتستخدمها الدول الكبرى كوسيلة للضغط السياسي أو الاقتصادي على دول أخرى، ولكن آثار هذه العقوبات تمتد لتشمل جميع الشركات والمؤسسات التي تعمل مع الدول المستهدفة، بما في ذلك شركات التأمين وإعادة التأمين. حين تُفرض عقوبات على دولة ما، تجد شركات التأمين التي كانت توفر تغطيات لأصول أو عمليات في تلك الدولة نفسها أمام خيارين صعبين: إما التوقف عن تقديم الخدمة وتعريض نفسها لخسائر قانونية وتعويضات، أو الاستمرار في التغطية مع احتمال التعرض لغرامات مالية ضخمة من الجهات المنظمة الدولية.

وقد تأثرت صناعة التأمين العالمية بالعقوبات المفروضة على روسيا وإيران وفنزويلا، حيث تراجعت تغطيات التأمين البحري، وتأمين الطاقة، وحتى التأمين على التجارة الدولية. كما تعرقل العقوبات المفروضة على البنوك في تلك الدول تسوية المطالبات التأمينية وتحويل الأموال، مما يضيف أعباء مالية على الشركات المؤمنة ويقلل من كفاءتها التشغيلية.

إعادة التأمين تُعد صمام الأمان الرئيسي لصناعة التأمين، إذ تتيح توزيع المخاطر على نطاق أوسع وتخفف من الصدمات الكبرى، لكن الأوضاع الجيوسياسية الحالية دفعت شركات إعادة التأمين إلى إعادة النظر في نماذجها التسعيرية، وإعادة تقييم مخاطرها في جميع أنحاء العالم، لا سيما في المناطق التي تشهد تصعيدًا سياسيًا أو أمنيًا. وقد لاحظت الأسواق العالمية ارتفاعًا حادًا في أسعار إعادة التأمين بعد أحداث مثل الغزو الروسي لأوكرانيا، والتوترات في شرق أوروبا، والاضطرابات في منطقة الخليج، ويعود ذلك لعدة أسباب:

– ارتفاع احتمالات وقوع خسائر جسيمة أو متكررة.

– ازدياد المطالبات المرتبطة بمخاطر الحرب والعقوبات.

– تعقيد إجراءات تسوية المطالبات في ظل العقوبات المالية.

– تراجع استعداد شركات الإعادة للدخول في أسواق غير مستقرة سياسيًا.

هذا الارتفاع في أسعار إعادة التأمين ينعكس مباشرة على أسعار وثائق التأمين المقدمة للعملاء، مما يؤدي إلى انكماش الطلب في بعض التغطيات، أو إلى مطالبة العملاء بتقليل التغطيات، وهو ما يزيد من مستوى المخاطر غير المؤمنة في الاقتصاد.

تأثرت الكثير من فروع التأمين بالأوضاع الجيوسياسية، نظرًا لاعتمادها المباشر على البيئة الجغرافية والسياسية للطرق والمسارات الدولية، وفي ظل النزاعات المسلحة، وتهديدات الإرهاب، والقرصنة البحرية، تواجه شركات التأمين تحديات متزايدة في تحديد مستويات الأخطار وتكاليف التغطية. على سبيل المثال، ارتفعت أسعار التأمين على السفن والطائرات العابرة للمجالات الجوية أو الممرات البحرية القريبة من مناطق النزاع، مثل مضيق هرمز، والبحر الأسود، وخليج عدن، ومضيق تايوان، وفي بعض الحالات، اضطرت شركات التأمين إلى إدراج “شرط الحرب” أو “استثناء الإرهاب”، أو فرض زيادات كبيرة على الأقساط.

تأثر التأمين البحري بشكل خاص بالحرب الروسية الأوكرانية، حيث أوقفت العديد من الشركات تغطية السفن المتجهة إلى الموانئ الأوكرانية، وفرضت قيودًا على تغطية الحمولات القادمة من روسيا. كما أن تصنيف مناطق الصراع كمناطق عالية المخاطر من قبل لجنة الحرب المشتركة التابعة لسوق لويدز في لندن أدى إلى ارتفاع غير مسبوق في تكلفة التأمين على السفن والتأمين ضد الحرب. أما في مجال تأمين الطيران، فإن المخاطر تشمل احتمال إسقاط الطائرات، أو تقييد المجال الجوي في مناطق معينة، أو تعرض المطارات لأعمال عدائية، ومن الأمثلة الصارخة على ذلك إسقاط طائرة الخطوط الجوية الماليزية MH17 فوق شرق أوكرانيا عام 2014، والذي شكّل نقطة تحول في تقييم شركات التأمين لمخاطر الطيران المدني في مناطق النزاع.

أما في مجال تأمين الطاقة، فقد ارتفعت المخاطر نتيجة لاستهداف المنشآت النفطية ومصافي التكرير وتهديد خطوط الأنابيب، مما أدى إلى زيادة أسعار التأمين على الأصول البترولية في مناطق الخطر، وزيادة الطلب على التغطيات المتخصصة مثل تأمين الإرهاب، وتعطل الأعمال بسبب الحروب، بالإضافة إلى تطور نموذج التأمين السيادي في بعض الدول لضمان أمن مواردها الاستراتيجية. وقد أبرز تقرير لوكالة رويترز توقعات بارتفاع أقساط التأمين بما يتراوح بين 3 إلى 8 دولارات إضافية لكل برميل نفط في حال استهداف منشآت نفطية أو حصار المضائق، وأوضح المحللون أن “علاوة الحرب” ستبقى مرتفعة خلال الفترة المقبلة، وقد تتصاعد أكثر حال توسع الصراع، لضمان تغطية مخاطر انقطاع الإمدادات أو الهجمات على السفن.

وفي مجال تأمينات السفر، تؤثر النزاعات الجيوسياسية على تأمينات السفر، فقد أدت الحرب الإسرائيلية الإيرانية إلى إلغاء آلاف الرحلات الجوية في الشرق الأوسط أو تغيير مساراتها، مما أدى إلى زيادة إلغاءات السفر، والذي انعكس سلبًا على تأمينات السفر، وفي حالة استمرار الحرب، ستضطر شركات التأمين إلى دفع تعويضات ضخمة بسبب إلغاءات السفر.

تقوم شركات التأمين باستخدام نماذج اكتوارية تعتمد على عوامل تاريخية وجغرافية واقتصادية، وفي ظل الأوضاع الجيوسياسية المضطربة، تلجأ هذه الشركات إلى إدراج أقساط إضافية بسبب “الخطر الجيوسياسي”، وخفض التغطيات في المناطق ذات المخاطر العالية، وزيادة الاعتماد على تقارير المخاطر السياسية المقدمة من مؤسسات متخصصة مثل Marsh، Aon، وLloyd’s.

بدأت العديد من الهيئات الرقابية الوطنية والدولية في تعديل الأطر القانونية المنظمة لسوق التأمين، ومنها اشتراط وجود تغطيات خاصة للمخاطر السياسية، وتشجيع شركات التأمين على تكوين احتياطات مالية لمواجهة الكوارث الجيوسياسية، والتعاون مع جهات الأمن القومي لتقييم التهديدات المستجدة.

لطالما اعتُبرت الحرب خطرًا يكاد يكون من المستحيل تأمينه، فاستبعاد الحرب قديمٌ بقدم صناعة التأمين نفسها، وقد يتمكن الأفراد الذين يواجهون خطرًا معروفًا من شراء وثيقة تأمين منفصلة ضد مخاطر الحرب، وكما ثبت في الاستجابة لحرب أوكرانيا، يمكن ترتيب تغطيات محددة من خلال التعاون بين القطاعات لدعم المرور الآمن للصادرات الحيوية وجهود الإغاثة. ويوفر التأمين الدعم ضد الخسائر المالية، كما توفر صناعة التأمين التوجيه والخبرة لمساعدة العملاء على فهم نقاط ضعفهم وتعزيز قدرتهم على الصمود.

تُعد الحرب الروسية الأوكرانية من أبرز الأمثلة المعاصرة لتأثير الصراعات الجيوسياسية على التأمين العالمي، حيث أدى الغزو إلى زيادة أسعار التأمين البحري في البحر الأسود بنسبة تجاوزت 400%، وانسحاب عدد من شركات التأمين من السوق الروسية والأوكرانية، وفرض قيود على التغطية بسبب العقوبات المفروضة على روسيا، وتعليق العمل ببعض وثائق التأمين التي تغطي التجارة الزراعية والطاقة، وقد واجهت شركات التأمين صعوبات في تسوية المطالبات نتيجة تجميد الأصول الروسية وصعوبة التحويلات المالية، كما ارتفعت المطالبات المتعلقة بتأمين المصانع والممتلكات المتضررة من القصف، مما أثر على نتائج أرباح شركات التأمين الأوروبية.

شهدت السنوات الأخيرة تصعيدًا متسارعًا في الشرق الأوسط، خاصةً في مناطق مثل اليمن، العراق، سوريا، وغزة، وفي الآونة الأخيرة الحرب الإيرانية الإسرائيلية، حيث انعكست هذه التوترات على أسواق التأمين عبر ارتفاع تكاليف التأمين البحري والجوي في الخليج العربي والبحر الأحمر، وزيادة أسعار التغطيات ضد الحرب والإرهاب، ومطالبات متكررة نتيجة قصف منشآت مدنية وصناعية، مما أدى لعزوف شركات التأمين عن تقديم خدمات في بعض المناطق، مما أضعف ثقة المستثمرين ودفعهم لطلب تغطيات تأمينية أكثر مرونة، ما رفع الطلب على منتجات التأمين السياسي.

يمثل بحر الصين الجنوبي نقطة توتر استراتيجي بين الصين وعدد من الدول المجاورة، وعلى رأسها الفلبين، وفيتنام، وماليزيا، إضافة إلى التدخل الأمريكي المتكرر، ويمر عبر هذه المنطقة نحو 30% من التجارة البحرية العالمية، وقد دفعت التوترات العسكرية والمناورات المستمرة شركات التأمين إلى رفع أقساط التأمين على السفن التي تمر عبر المنطقة، وتصنيف بعض المياه كمناطق خطر عالية، وزيادة الطلب على التأمين ضد القرصنة والمصادرة البحرية، حيث أبدت شركات الشحن قلقًا من تحول التوترات إلى نزاع مباشر، مما دفعها لطلب تغطيات تأمينية مرنة وسريعة التعديل.

أدركت شركات التأمين العالمية أن التغير المستمر في البيئة الجيوسياسية يتطلب أدوات أكثر تطورًا لتقييم الأخطار، ولذلك بدأت هذه الشركات في توظيف محللين سياسيين وخبراء أمنيين وأنظمة ذكاء اصطناعي لرصد ومتابعة الأوضاع الجيوسياسية وتأثيرها المحتمل على الأسواق والعمليات، وتقوم شركات مثل ميونيخ رى وسويس رى وهيئة اللويدز بتحديث خرائط الأخطار بشكل دوري، وتصدر تقارير تقييمية عن المناطق الجغرافية الخطرة وتأثير العقوبات، وإمكانية اندلاع النزاعات، وتعتمد أيضًا على شراكات مع مؤسسات بحثية وجيوسياسية مثل Eurasia Group وStratfor. وقد أطلقت بعض الشركات منتجات تأمينية متخصصة لتغطية المخاطر السياسية، تشمل مصادرة أو تأميم الأصول، وتعطيل العمليات بسبب قرارات حكومية مفاجئة، وفرض قيود على تحويل الأرباح أو رأس المال، وأعمال الشغب والانقلابات السياسية، ويتم تسعير هذه الوثائق بناءً على معايير دقيقة تتعلق باستقرار النظام السياسي، ومؤشرات الحوكمة، والتاريخ الأمني، والعلاقات الدولية للدولة المستهدفة.

رغم استخدام أدوات تحليلية متقدمة، إلا أن الأزمات الجيوسياسية عادة ما تأتي فجأة، مما يتطلب استجابات مرنة وفورية، وتشمل أبرز الممارسات التي طورتها شركات التأمين في هذا السياق تفعيل بنود الطوارئ في الوثائق، مثل بنود تعليق التغطية أو مراجعة الأسعار تلقائيًا عند تصنيف منطقة معينة على أنها منطقة حرب أو نزاع، والانسحاب المؤقت من الأسواق المتأثرة، كما حدث في أوكرانيا وأفغانستان وسوريا، حيث اضطرت شركات تأمين دولية إلى تعليق أعمالها لحماية رؤوس أموالها، وإعادة التفاوض مع شركات إعادة التأمين، حيث تعمد شركات التأمين المباشر إلى التفاوض مع المعيدين لتحسين شروط التغطية أو إعادة ترتيب محفظة الأخطار، وزيادة التحوط عبر التأمينات المشتركة من خلال التحالف مع شركات أخرى لتقاسم المخاطر العالية أو التغطية ضمن مجمعات تأمين مشتركة، وقد باتت المرونة التنظيمية وسرعة الاستجابة من أهم مؤشرات كفاءة شركات التأمين في بيئة مشبعة بالمخاطر السياسية.

تشكّل الأوضاع الجيوسياسية ضغوطًا متعددة الأوجه على صناعة التأمين في مصر، بدءًا من ارتفاع تكاليف إعادة التأمين، ومرورًا بتقلب أسعار الصرف وزيادة معدلات التضخم، وصولًا إلى تغيّر نية المستثمرين وتراجع قيمة المحافظ الاستثمارية. تُعد شركات إعادة التأمين العالمية شريكًا رئيسيًا لسوق التأمين المصري، حيث تعتمد الشركات المحلية بشكل كبير على المعيدين العالميين لتغطية الأخطار الكبرى، وعندما تتأثر الأسواق العالمية بالأزمات الجيوسياسية، كما هو الحال مع الحرب الروسية الأوكرانية أو التوترات في البحر الأحمر، تتجه شركات إعادة التأمين إلى رفع أسعار أقساط إعادة التأمين، مما يفرض أعباءً إضافية على شركات التأمين المصرية، وتقليص حدود التغطية أو فرض استثناءات لبعض المناطق أو القطاعات في إعادة التأمين، وفرض شروط أكثر تشددًا مثل رفع نسب التحمل أو تقليص فترات الوثائق، وقد شهدت السوق المصرية بعد عام 2022 ارتفاعًا ملحوظًا في أسعار اتفاقيات إعادة التأمين، خصوصًا في قطاعات الطاقة والنقل البحري والتأمين ضد الحريق.

يمثّل التأمين البحري أحد أكثر الفروع تأثرًا بالأوضاع الجيوسياسية نظرًا لاعتماده على التجارة الدولية وخطوط الشحن، وقد تأثرت نتائج هذا الفرع بأحداث مثل التهديدات في مضيق باب المندب وخليج عدن، والألغام البحرية في البحر الأسود، والعقوبات الاقتصادية على روسيا وإيران، مما أدى إلى تغيير خريطة الشحن البحري وارتفاع أقساط التأمين على السفن والبضائع في مصر، حيث تعتمد التجارة الخارجية بشدة على المرور الآمن عبر قناة السويس، مما أدى إلى رفع تكاليف التأمين على السفن والبضائع العابرة عبر القناة، وزيادة الطلب على تغطيات إضافية مثل أخطار الحرب والشغب والاضطرابات المدنية، وتغير سياسات الاكتتاب في الشركات المصرية، إذ أصبحت أكثر حذرًا في تسعير وثائق الشحن والاستيراد من مناطق النزاع.

أما تأمين الطيران، فيثير جانب الطيران قلقًا أكبر لدى شركات التأمين بسبب الحرب الإسرائيلية الإيرانية، حيث قامت شركات الطيران بتعليق أو إلغاء رحلاتها في الشرق الأوسط. سيمتد تأثير التهديدات الأمنية إلى المسافرين وشركات التأمين على حد سواء، حيث يواجه المسافرون تأجيلات أو إلغاءات متكررة للرحلات، إلى جانب ارتفاع في أسعار التذاكر نتيجة زيادة تكاليف التشغيل والتأمين، وقد تصبح بعض الوجهات غير متاحة للسفر، مما يقيّد خيارات السفر ويؤثر على حركة السياحة والأعمال. من جهة أخرى، ستُضطر شركات التأمين إلى إعادة تقييم نماذج تسعير المخاطر، وزيادة الاحتياطيات المخصصة لتغطية الحوادث المرتبطة بالنزاعات المسلحة أو الهجمات السيبرانية، مما سينعكس على شروط التغطية وأسعارها.

– قد ترفع شركات التأمين المصرية أسعار تغطية مخاطر الحرب للسفن والطائرات المتجهة إلى مناطق النزاع.

– قد تفرض شركات إعادة التأمين العالمية شروطًا أكثر صرامة، ما يزيد تكاليف التأمين المحلي.

– قد تضطر شركات التأمين إلى دفع مطالبات كبيرة إذا تعرضت سفن أو بضائع مصرية لأضرار بسبب الصراع، مثل هجمات في البحر الأحمر.

– قد تظهر نزاعات حول ما إذا كانت الأضرار مشمولة في وثيقة التأمين، خاصة مع وجود استثناءات لمخاطر الحرب.

بعض شركات التأمين قد تقلل التغطية للمخاطر المرتبطة بالمناطق الساخنة أو تطلب ضمانات إضافية، وقد تظهر حاجة إلى منتجات تأمينية جديدة لتغطية مخاطر مثل الهجمات السيبرانية أو تعطيل سلاسل التوريد.

وكالة بلومبرج 18 يونيو 2025: ارتفعت تكلفة التأمين على السفن المبحرة في الخليج العربي، حيث أدت الهجمات بين إسرائيل وإيران إلى زيادة المخاطر التي تتعرض لها السفن في المنطقة، وتتقاضى شركات التأمين الآن 0.2% من قيمة السفينة للرحلات المتجهة إلى الخليج، ارتفاعًا من 0.125% قبل اندلاع الصراع، وفقًا لماركوس بيكر، الرئيس العالمي للشحن البحري والخدمات اللوجستية في مارش ماكلينان، إحدى كبرى شركات وساطة التأمين، كما ارتفعت أسعار الرحلات المتجهة إلى البحر الأحمر، وذكرت أن مدة صلاحية الأسعار تقلصت إلى 24 ساعة بدلًا من 48 ساعة، وهو ما يعكس التقلبات في السوق، كما أن هناك زيادة حادة في أسعار السفن التي ترسو في إسرائيل، حيث تضاعفت الرسوم ثلاث مرات لتصل إلى 0.7% من تكلفة السفينة مقارنة بـ0.2%.