
شهدت شواطئ الغردقة اليوم الاثنين ظاهرتي المد والجزر، حيث انحسرت المياه عن الشواطئ لعدة ساعات، وذلك عندما تكتمل دورة القمر وتضيء أنواره في السماء، لتظهر شواطئ البحر الأحمر في أبهى صورها، حيث يتراجع البحر عن الشاطئ لمسافات ملحوظة، مما يكشف عن أسرار كانت تحت الماء، ويمنح زواره من المصريين والأجانب لمحة فريدة عن عالم ما تحت البحر دون الحاجة للغوص أو معدات خاصة، إذ أن هذه اللحظة تمزج بين العلم والجمال، والدهشة بالفهم، والتأمل بالحذر.
ومن اللافت أن هذه الظاهرة ليست مجرد عرض بصري، بل فرصة تعليمية بيئية ممتازة، إذ يمكن توظيفها لرفع الوعي بأهمية حماية الشعاب المرجانية، وتعريف الجمهور بكيفية تشكل هذه النظم البيئية الحساسة، وضرورة الحفاظ عليها من التلوث أو السلوكيات الخاطئة مثل الدهس أو الاقتلاع أو استخدام أدوات الصيد العشوائي في المناطق المكشوفة.
ورصدت إقرأ نيوز هذه الظاهرة في عدة شواطئ بالغردقة.
وأكد الدكتور أحمد وهب الله نائب رئيس معهد علوم البحار بالغردقة، أنه مع حلول الليالي القمرية في منتصف ونهاية كل شهر هجري، تظهر آثار هذه الظاهرة بشكل واضح على سواحل الغردقة، المدينة السياحية التي أصبحت مرآة للطبيعة البحرية في أنقى صورها، حيث يتراجع البحر لمسافة قد تصل إلى 150 مترًا عن الساحل، تاركًا وراءه شعابًا مرجانية مكشوفة، وأصدافًا بحرية، وتشكيلات جيولوجية ملونة، ومسطحات رملية لامعة، مما يسعد الناظرين ويستدعي عدسات المصورين وعشاق الطبيعة.
وأضاف وهب الله أن المشهد قد يبدو مفاجئًا ومربكًا للبعض، خاصة السياح غير المعتادين على هذه الظواهر، لكنه في الحقيقة جزء من دورة كونية منتظمة تتحكم فيها قوى الجاذبية بين الأرض والقمر، إذ يحدث المد والجزر بشكل يومي، لكن قوتهما تتعاظم خلال اكتمال القمر بسبب تأثير الجاذبية القمرية المتزايدة، إلى جانب جاذبية الشمس ودوران الأرض نفسه.
وأوضح وهب الله أن البحر الأحمر يشهد «مدين وجزرين» كل 24 ساعة تقريبًا، فيما يُعرف بالمد نصف اليوم، مما يؤدي إلى تغيرات متكررة في مستوى المياه، ورغم ما تثيره هذه الظاهرة من رهبة لدى البعض، فإن لها فوائد بيئية هائلة، إذ يلعب المد المرتفع دورًا حيويًا في تنظيف الشواطئ من الرواسب، حيث تعمل المياه الصاعدة على جرف الشوائب وتنقلها خارج البحر، مما يساهم في تنقية البيئة البحرية وتحسين جودة المياه في المناطق الساحلية.
من جانبه، أكد عبدالله عابد الباحث البيئي بالغردقة أن ظاهرة الجزر تثير تحذيرات بيئية متكررة، خاصة مع تعرض الكائنات البحرية الصغيرة للخطر بسبب انكشاف موائلها المعتادة، كالشقوق المرجانية والمسطحات الطينية، فقد دعت محميات البحر الأحمر والجمعيات البيئية إلى ضرورة توخي الحذر وعدم السير فوق المناطق المكشوفة خلال فترات الجزر، تفاديًا لإتلاف الشعاب المرجانية أو سحق كائنات بحرية تختبئ مؤقتًا حتى عودة المياه، ولم يعد المد والجزر في البحر الأحمر ظاهرة علمية فحسب، بل أصبح مكونًا من مكونات الجذب السياحي، ومصدرًا لإثراء تجربة الزائر، ومجالًا جديدًا لتعزيز السياحة البيئية، ومؤشرًا على حيوية النظام البحري الذي لا يزال ينبض بالحياة وسط التغيرات المناخية المتسارعة، إنها فرصة لنرى كيف يعمل الكون بتناغم دقيق، وكيف يمكن لظاهرة بسيطة مثل انحسار البحر أن تفتح أعيننا على دروس كبيرة في الجمال، والحذر، والاحترام العميق للطبيعة.
ويؤكد حسام صالح مدير أحد المنتجعات السياحية أن «الظاهرة تدهش السياح، خصوصًا ممن يزورون البحر الأحمر لأول مرة، حيث يرون البحر يتراجع فيسألون عن السبب، ويتم شرحها لهم كأحد مظاهر التنوع الطبيعي للمنطقة، البعض يستغل الفرصة لالتقاط صور نادرة لشعاب لم تكن مرئية، وآخرون يسيرون على الرمال المنحسرة بحذر لاكتشاف قاع البحر.
ومن بين المشاهد التي لا تُنسى خلال فترات الجزر، تلك اللحظات التي يبدأ فيها البحر بالعودة تدريجيًا إلى الشاطئ، في مشهد بطيء ومهيب يشبه في سكونه تراجع الموج قبل العودة بقوة، وتعود الكائنات إلى مخابئها، وتختفي الرمال من جديد تحت الماء، في دورة لا تتوقف، تذكرنا أن البحر ليس فقط وجهة سياحية، بل كائن حي يتنفس ويتأثر ويتفاعل.
واعتاد سكان المدن الساحلية على هذه الظاهرة، لكنها لا تفقد جاذبيتها في كل مرة تحدث فيها، إذ يرون فيها «عُرسًا للطبيعة» يربط السماء بالأرض، ويجعل من القمر شريكًا حقيقيًا في تغيير مشهد المدينة اليومية، ويؤكد الصيادون، خاصة في مناطق مثل رأس محمد وحماطة وسفاجا، أن هذه التغيرات تؤثر أيضًا على حركة الصيد، وعلى توقيت خروج المراكب، وعلى أماكن تواجد الأسماك والكائنات البحرية التي تفضل المكوث في مياه أعمق خلال فترات الجزر.
وفسّر علماء البحار هذه الظاهرة من خلال العلاقة المعقدة بين ثلاث قوى: جاذبية القمر، وجاذبية الشمس، والقوة الطاردة الناتجة عن دوران الأرض، وعندما تصطف هذه القوى في خط واحد –كما يحدث في الليالي القمرية المكتملة– تتضاعف تأثيرات الجاذبية، مما يؤدي إلى «مد أعلى» و«جزر أعمق»، هذه الحركة تؤثر ليس فقط على البحار، بل أيضًا على طبقات الغلاف الجوي والطقس أحيانًا، في علاقة دقيقة بين عناصر البيئة المتكاملة