
تتجلى فرص جديدة للحياة من خلال جهود أساتذة قصر العيني، حيث تتواصل الأبحاث والاكتشافات بتصميم وإصرار، مؤكدين أن دورهم كمختصين يركز على تحقيق الأمل للمرضى، فهم يسعون جاهدين لنقل المعرفة من قاعات المحاضرات إلى أروقة المستشفيات، مع الالتزام برسالة قصر العيني في خدمة الإنسان والعلم معًا.
وفي هذا السياق، أتم الفريق البحثي من كلية طب جامعة القاهرة، بقيادة الدكتورة نهال الكوفي والدكتور مرتضى الشبراوي، أساتذة قسم الأطفال، والدكتور محمد عبدالمنعم من قسم الباثولوجيا الإكلينيكية والكيميائية، إنجازًا علميًا جديدًا تحت رعاية الدكتور محمد سامي عبدالصادق، رئيس الجامعة، وإشراف الدكتور حسام صلاح، عميد كلية طب قصر العيني ورئيس مجلس إدارة المستشفيات الجامعية، الذي أكد باستمرار أن قصر العيني كصرح علمي عريق لا يقتصر دوره على تقديم الرعاية الطبية، بل يمتد ليكون رائدًا في البحث العلمي الذي يُحدث فرقًا حقيقيًا في حياة المرضى، وحرص على دعم هذا التوجه بشكل معنوي وفعلي.
وقد قام الفريق الطبي بنشر ورقة بحثية هامة بعنوان: «الأطياف السريرية والوراثية لأمراض الركود الصفراوي الوراثية في مصر»، في الدورية العلمية العالمية المرموقة Clinical Genetics، التي تصدرها دار النشر العالمية WILEY، والتي تُعتبر من أبرز الدوريات المتخصصة في مجال الأمراض الوراثية والجينات.
تُسلط الدراسة الضوء على أمراض الركود الصفراوي الوراثية (PFIC)، وهي مجموعة نادرة من اضطرابات الكبد الوراثية التي تُورّث بطريقة جسدية متنحية، حيث تنتج عن طفرات في مستقبلات وبروتينات مسؤولة عن نقل الأحماض الصفراوية من خلايا الكبد إلى الدم، وعادة ما تظهر هذه الأمراض في مرحلة الطفولة المبكرة على شكل ركود صفراوي داخل الكبد، مع معدل حدوث يتراوح بين 1 لكل 50,000 إلى 100,000 مولود حي.
وتتمثل أبرز مضاعفات هذه المتلازمة في تلف الكبد، فشل النمو، نقص العديد من الفيتامينات، بالإضافة إلى الحكة الشديدة التي قد تؤدي إلى مضاعفات جلدية ونفسية خاصة لدى الأطفال الأكبر سنًا، وفي بعض الحالات الشديدة، يتطور المرض إلى فشل كبدي كامل أو سرطان الكبد.
تُعتبر العلاقة بين العوامل السريرية والجينية في هذه المجموعة من الأمراض غير مفهومة بشكل كافٍ في كثير من مناطق العالم، خاصة في إفريقيا والشرق الأوسط، ومن هنا جاءت أهمية هذه الدراسة التي قدمت توصيفًا سريريًا مفصلًا لحالة 31 طفلًا مصريًا مصابًا بـ PFIC من النوع الذي لا يرتبط بارتفاع إنزيم GGT، وهو ما يُعتبر سمة مميزة لبعض أنواع المرض، كما قامت الدراسة بتحديد وتحليل الطفرات الوراثية المسببة للمرض لدى هؤلاء الأطفال، مما أتاح توصيفًا جديدًا ودقيقًا للتركيب الجيني لأمراض PFIC في مصر.
ومن أبرز ما توصل إليه الباحثون في هذه الدراسة أن أكثر من 60% من الطفرات الجينية المسببة للمرض لدى الأطفال المصريين كانت جديدة تمامًا ولم تُوصَف في أي دراسات سابقة، مما يجعل هذه النتائج تمثل سبقًا علميًا هامًا على مستوى إفريقيا والعالم، حيث تُوثق هذه الدراسة لأول مرة التركيب الجيني لمتلازمات PFIC في دولة إفريقية، وتُسهم في تعزيز الفهم العالمي لهذه الأمراض النادرة.
تعمل نتائج هذه الدراسة على توسيع القاعدة المعرفية الإكلينيكية والجينية لأمراض PFIC على المستوى الدولي، كما تفتح الباب أمام تقديم علاجات أكثر دقة وفعالية، وتوفير رعاية متخصصة مبكرة للأطفال المصابين وعائلاتهم في مصر.
وفي تعليق له، أعرب الدكتور حسام صلاح – عميد كلية طب قصر العيني ورئيس مجلس إدارة المستشفيات الجامعية – عن فخره الكبير بهذا الإنجاز العلمي، مؤكدًا أن ما تحقق هو تجسيد حي للدور الذي يجب أن تلعبه المؤسسات الطبية الأكاديمية في تقديم العلم النافع والخدمة المجتمعية الحقيقية.
وأضاف: «إن قصر العيني يؤمن بأن البحث العلمي ليس رفاهية، بل هو امتداد طبيعي لرسالتنا في إنقاذ الأرواح وتغيير الواقع إلى الأفضل، وأشكر بكل تقدير الفريق البحثي الذي عمل بإخلاص وتميز وحقق هذا السبق العالمي باسم مصر.»