
أكملت محميات البحر الأحمر بالتعاون مع غرفة سياحة الغوص وجمعية المحافظة على البيئة «هيبكا» تنفيذ البرنامج الوطني لرصد وتتبع سلوكيات عدد من أنواع أسماك القرش، في محاولة للحد من هجماتها على البشر، وقد استغرق العمل الميداني المكثف أسبوعًا في جنوب البحر الأحمر، حيث تم استخدام أجهزة مرتبطة بالأقمار الصناعية في خطوة تُعتبر الأولى من نوعها في المنطقة، وتهدف إلى حماية التنوع البيولوجي وضمان سلامة الزوار والسائحين.
هذا المشروع العلمي يُدار تحت إشراف وزارة البيئة ومحميات البحر الأحمر، ويشارك فيه باحثون مصريون وخبير دولي فرنسي متخصص في تتبع الكائنات البحرية، وقد أعلنت محميات البحر الأحمر عن تثبيت 5 أجهزة تتبع بالأقمار الصناعية على عدد من أسماك القرش المستهدفة.
أكد الدكتور محمود حنفي، المستشار العلمي لمحافظة البحر الأحمر، أن هذه الأجهزة ستوفر بيانات دقيقة حول تحركات القروش وسلوكها وأنماط هجرتها وتفاعلها مع البيئة البحرية، مشيرًا إلى أن الفريق البحثي نجح في إعادة القروش إلى بيئتها الطبيعية بعد الانتهاء من عملية التثبيت.
وأضاف حنفي في تصريحات خاصة لـ«إقرأ نيوز» أن الفريق العلمي جمع عينات من 10 قروش لفحص الحمض النووي DNA وتحليل الصفات الوراثية والبيولوجية الدقيقة، بهدف تحليل التنوع الجيني وتحديد مدى تأثر السلالات المحلية بالعوامل البيئية والبشرية، خاصة في ظل تزايد النشاط السياحي والضغط على مواقع الغوص الشهيرة.
ويُعتبر برنامج تتبع القروش بالأقمار الصناعية أحد الأسس الجديدة في سياسات الحماية البحرية، إذ يسعى لبناء قاعدة بيانات موثوقة تُستخدم في تعزيز التوعية والتدريب لمشغلي الغوص والسائحين، ووضع ضوابط دقيقة لمواقع ظهور القروش المتكررة، مما يسهم في تقليل المخاطر وتعظيم الاستفادة البيئية والسياحية في آنٍ واحد، وقد تم توفير بيئة هادئة وآمنة لتنفيذ البرنامج البحثي دون أي تدخل أو إزعاج، وهو ما قابله مشغلو الغوص بتعاون كبير وتقدير لأهمية الأهداف العلمية والأمنية للبرنامج.
أكد القائمون على البرنامج أن استخدام التقنيات الفضائية في تتبع القروش سيحدث نقلة نوعية في فهم هذا الكائن البحري المعقد، وتطوير آليات للتعايش الآمن معه، سواء في السياحة أو في الأبحاث العلمية طويلة الأجل، ويأتي البرنامج ضمن الجهود الوطنية لرصد سلوكيات أسماك القرش وتحليل تحركاتها وتوزيعها الجغرافي من خلال تركيب أجهزة تتبع ورصد على ظهورها، مما يعزز حماية هذا النوع البيولوجي الهام ويساهم في الحفاظ على توازن النظم البيئية البحرية الفريدة بالمنطقة، ويحد من الهجمات على البشر.
تأتي تنفيذ هذا البرنامج في وقت يشهد فيه السواحل المصرية إقبالًا متزايدًا من السائحين ومحترفي الغوص، مما يستلزم المزيد من الإجراءات الوقائية والإدارية لتحقيق التوازن بين النشاط السياحي والحفاظ على الكائنات البحرية والبيئة الطبيعية.
شارك في تنفيذ البرنامج فريق علمي مصري متخصص، يضم الدكتور محمود حنفي المستشار العلمي لمحافظة البحر الأحمر، والدكتور محمد سالم رئيس جهاز حماية الطبيعة والمحميات السابق، والدكتور تامر كمال مدير إدارة التنوع البيولوجي بوزارة البيئة، والدكتور أحمد غلاب مدير عام محميات البحر الأحمر، إلى جانب عدد من باحثي الوزارة، بالإضافة إلى مشاركة ميدانية من البروفيسور الفرنسي إيريك كلوى، أحد أبرز علماء البيئة السلوكية البحرية على مستوى العالم، وأستاذ النظم البيئية البحرية الاستوائية، والذي يمتلك خبرات طويلة في رصد وتفسير سلوك أسماك القرش في البيئات الحساسة.
شملت مناطق تنفيذ البرنامج شواطئ البحر الأحمر وجزر الأخوين والفستون، ومواقع الغوص التي تشهد تواجدًا موسميًا لأسماك القرش جنوب البحر الأحمر.
أكد الدكتور محمود حنفي أن البرنامج يتم تنفيذه على مدار ستة أيام بطول شواطئ البحر الأحمر والجزر البحرية، من خلال تركيب عدد من أجهزة الرصد والتتبع على ثلاثة أنواع من أسماك القرش تمثل الأنواع الأكثر خطورة في المنطقة، وهي «تايجر» و«ماكو» و«أوشينك»، وهي الأنواع التي تقف خلف جميع الهجمات المسجلة سابقًا على البشر في مصر.
وأشار إلى أن هذه الأجهزة المتصلة بالأقمار الصناعية تقدم معلومات دقيقة عن كل حركة وسلوكيات للأسماك المستهدفة، ويتم تثبيت الأجهزة على ظهر السمكة ثم إطلاقها في البحر مجددًا، بينما يتم تدريب الباحثين المتخصصين من محميات البحر الأحمر على تنفيذ البرنامج وتحليل البيانات.
أضاف أن البرنامج يشمل تدريبات عملية ميدانية لفريق من الباحثين المصريين الشباب، بهدف بناء قدراتهم العلمية والعملية في استخدام أجهزة الرصد الحديثة في تتبع أسماك القرش، وتطوير مهاراتهم في تحليل وتفسير البيانات البيئية، خاصة فيما يتعلق بالكائنات البحرية الكبرى مثل القروش.
أوضح حنفي أن هذا البرنامج يعكس التزام مصر بتطبيق أفضل الممارسات البيئية المعتمدة عالميًا، في ظل التحديات التي تواجه الشعاب المرجانية والكائنات البحرية بالبحر الأحمر، وأن البيانات التي سيتم جمعها ستُستخدم لوضع خرائط دقيقة للمناطق الحيوية لأسماك القرش، وتحديد أهم موائلها الطبيعية، مما يدعم خطط الحماية على المدى الطويل.
يستهدف البرنامج التعرف على سلوكيات الأنواع المستهدفة وأسباب تغير تلك السلوكيات على مدار الفصول المختلفة، وتقييم حالة أعداد وتنوع أحجام أسماك القرش، وتحديد معامل الخطورة، والإجراءات الاحترازية المطلوبة خلال المواسم السياحية، بالإضافة إلى تحديد الجنس والفحص الظاهري للقروش.
تابع حنفي أن هذه الإجراءات تهدف إلى جعل الغوص أكثر أمانًا مع أسماك القرش، وتجنب ظهورها بالقرب من شواطئ القرى السياحية، مع استمرار التوعية بعدم ممارسة أي سلوكيات قد تجذب القروش أو الأسماك المفترسة الأخرى، مما قد يُعرّض حياة ممارسي الغوص والسنوركلينج للخطر.
أكد أن تركيب أجهزة تتبع لأسماك القرش سيجعل الغوص أكثر أمانًا، ويقلل من احتمالات المفاجآت غير المحسوبة، ويعزز مكانة البحر الأحمر كمقصد دولي آمن ومستدام للسياحة البيئية والغوص.