مدير آثار سابق يكشف لـ«إقرأ نيوز» أسرار الموروثات التاريخية عن قارون والنبي يوسف ومعبد «اللابيرنث»

في ظل تكرار القصص الشعبية التي تربط محافظة الفيوم بالأساطير التوراتية والفرعونية، جاء الدكتور أحمد عبدالعال، مدير عام آثار الفيوم الأسبق، ليكشف الحقائق ويؤكد أن العديد مما يُشاع حول شخصيات مثل قارون وسيدنا يوسف ومعبد اللابيرنث لا يستند إلى حقائق تاريخية، مستندًا في توضيحاته إلى أدلة أثرية ودراسات ميدانية شارك فيها بنفسه.
وقال «عبدالعال» في حديثه مع «إقرأ نيوز»: إن ما يُقال عن ارتباط قارون بمحافظة الفيوم ليس صحيحًا، حيث إن اسم بحيرة قارون لا يرتبط بتلك الشخصية التوراتية، بل هو نتيجة تحريف لغوي، فالكلمة الأصلية كانت «قرون» نسبة إلى الألسنة الكثيرة التي تشكلها البحيرة عند امتدادها، وتحولت بالعامية إلى «قارون»، دون وجود أي دليل أثري يربط هذه الشخصية بالمنطقة.
وأضاف أن الادعاء بأن سيدنا يوسف دخل الفيوم لا يرتكز على أساس علمي، فالاسم المرتبط ببحر يوسف يعود إلى شخصية أخرى تُدعى يوسف بن مروان بن شاذى، المعروف بصلاح الدين الأيوبي، حيث تم تطوير هذا المجرى المائي في عهده ليغذي واحة الفيوم، وهو أحد فروع النيل، ولا توجد أدلة أثرية تثبت أن اليهود عاشوا في الفيوم.
وأشار إلى أن اسم الفيوم نفسه تعرض لتشويه تاريخي، حيث لم تأت التسمية من «ألف يوم» كما ذكر المقريزي، بل تعود جذورها إلى اللغة المصرية القديمة، حين كانت تُسمى (مر ور) أي البحر العظيم، ثم (تاشي) بمعنى أرض البحيرة، وبعدها (يم)، حتى وصلت إلى القبطية وأضيفت إليها أداة التعريف (با)، وعند دخول العرب مصر حُرفت إلى (بايوم) ثم (الفيوم). وأوضح أن الفيوم كانت في عصر الدولة الوسطى عبارة عن منخفض مليء بالمياه، لذا ركز ملوك الأسرة الثانية عشرة، مثل سنوسرت الأول وأمنمحات الثالث، على استصلاح هذه الأراضي وتحويلها إلى أراضٍ زراعية، ولذلك سُميت عاصمة الفيوم آنذاك (شدت)، وتعني الأرض المستصلحة.
وتابع: «بحيرة قارون هي البقية الباقية من هذا التاريخ الطبيعي، إذ تقع على عمق ٤٦ مترًا تحت مستوى سطح البحر، وكانت مياهها عذبة في عهد اليونان والرومان، ما جذب السكان للصيد واستخراج البازلت في شمالها، وهناك تم إنشاء أول طريق مرصوف بالحجارة في التاريخ».
وانتقل للحديث عن المعبد الشهير المعروف بـ«اللابيرنث»، والذي وصفه هيرودوت بأنه يضم آلاف الحجرات، قائلًا: «للأسف، ما ذكره هيرودوت غير دقيق، لقد ظن أن تمثالي أمنمحات الثالث في منطقة بيهمو وسط المياه هما هرمين، وكتب روايته بناءً على ما سمعه من العامة، وقد نشرت بحثًا مشتركًا مع العالمة الإيطالية بولا ديفولي، أثبتنا فيه عدم صحة كثير مما أورده هيرودوت، خصوصًا بشأن المعبد الجنائزي الخاص بأمنمحات الثالث في هوارة، والذي لم يُعثر فيه على ٣ آلاف حجرة، بل لم يُثبت حتى وجود قبر فيه، خلال أعمال الحفر التي قمت بها بنفسي عام ٢٠١٠».
وفي ظل تكرار الخلط بين الموروث الشعبي والحقائق الأثرية، يؤكد الدكتور أحمد عبدالعال أهمية تصحيح المفاهيم المغلوطة حول تاريخ الفيوم، وتبني خطاب علمي يستند إلى الأبحاث الميدانية والأدلة الموثقة، حفاظًا على هوية المكان ووعيه التاريخي.
وكان الدكتور أحمد الأنصاري، محافظ الفيوم، قد عقد اجتماعًا موسعًا لمتابعة جهود تنمية الثروة السمكية بالمحافظة، ومراجعة مؤشرات التوازن البيئي ببحيرة قارون، في ضوء نتائج التحاليل الدورية لمياه البحيرة وتقييم انتشار طفيل الإيزوبود، تمهيدًا لإنزال دفعات جديدة من زريعة الأسماك خلال الموسم الجاري.
جاء ذلك بحضور الدكتور محمد التوني، نائب المحافظ، وكامل غطاس، السكرتير العام، والدكتورة نسرين عز الدين، مستشار المحافظ لشؤون الثروة السمكية، وعدد من ممثلي الجهات المعنية بالبيئة والثروة السمكية وأجهزة الشرطة البيئية، بالإضافة إلى مسؤولي جهاز شؤون البيئة، والجمعية التعاونية لصائدي الأسماك. وشهد الاجتماع استعراض الوضع الراهن للبحيرة، حيث أكدت نتائج تحاليل شهر أبريل ٢٠٢٥ تحسن معايير جودة المياه وتراجع معدلات الإصابة بطفيل الإيزوبود، بما يعكس استمرار تعافي البحيرة ويدعم خطط تنميتها المستدامة.
وناقش الحضور مقترح غلق موسم الصيد لفترة زمنية محددة، بالتنسيق مع الجهات المختصة، للحفاظ على المخزون السمكي، والتصدي لظاهرة الصيد الجائر التي تهدد التنوع البيولوجي والمردود الاقتصادي للبحيرة.
وأكد محافظ الفيوم أهمية تكثيف حملات التفتيش والرقابة على أنشطة الصيد ببحيرة قارون، موجهًا سكرتير عام المحافظة بالتنسيق مع رؤساء الوحدات المحلية لدعم جهود حماية البحيرة، كما كلف فرع جهاز شؤون البيئة بتطهير مواقع إنزال الزريعة من القواقع والمخلفات، تمهيدًا لإطلاق دفعات الأسماك الجديدة.
وشدد على ضرورة تشكيل لجنة مختصة لرصد الإنتاج السمكي بالبحيرة وتكوين قاعدة بيانات دقيقة، تسهم في دعم قرارات التنمية والتخطيط المستقبلي.
من جانبها، أوضحت مستشار المحافظ لشؤون الثروة السمكية، أن التحاليل الحديثة أثبتت ملاءمة المياه لحياة الأسماك، واستمرار التحسن الملحوظ بفضل تطبيق الاستراتيجية العلمية لمقاومة الطفيل، خاصة في فترات ذروته، مشيرة إلى أنه تم تحديد أنواع الزريعة وكمياتها وأماكن إنزالها وفقًا لنتائج الفحص الميداني.
وأكدت أن المرحلة الحالية تشهد تنسيقًا وثيقًا مع جهاز حماية وتنمية البحيرات لتوريد الزريعة المطلوبة خلال الموسم، في إطار خطة إعادة بناء المخزون السمكي بالبحيرة.