مونيكا: سويسرية تترك أوروبا لتبدأ حياة جديدة في الغردقة لرعاية الحيوانات الأليفة والمشردة

مونيكا: سويسرية تترك أوروبا لتبدأ حياة جديدة في الغردقة لرعاية الحيوانات الأليفة والمشردة

عندما وصلت مونيكا، وهي سويسرية، إلى مدينة الغردقة منذ أكثر من عشرين عامًا، لم تكن تتوقع أن تتحول رحلتها القصيرة إلى بداية قصة إنسانية فريدة من نوعها، ففي تلك اللحظة، بينما كانت تستمتع بعطلتها على شواطئ البحر الأحمر، صادفت مشهدًا صادمًا، كلب صغير مصاب ينزف على الرصيف، يتلوى من الألم تحت أشعة الشمس الحارقة، دون أن يلتفت إليه أحد، وعندها قررت مونيكا أن هذا المكان وهذه الكائنات أصبحت مسؤوليتها، فقالت: «لم أتمكن من تجاهله، وقفت بجواره، ونظرت في عينيه».

وبدلاً من العودة إلى سويسرا، ألغت تذكرتها وبدأت حياة جديدة في مدينة لم تكن تعرفها، ولا تتحدث لغتها، لكنها شعرت بانتماء فوري لأرواحها الأضعف، وخلال مسيرتها الخيرية، تزوجت من فنان تشكيلي مصري، وبدأت في إنشاء مزرعة وحديقة تهدف إلى رعاية الحيوانات الأليفة وعلاجها.

استقرت مونيكا في منزل صغير بمنطقة أبوعشرة بالغردقة، حيث بدأت تستقبل الحيوانات المصابة، من قطط مريضة، وكلاب جريحة، وحتى طيور وحيوانات أخرى تعرضت لسوء المعاملة، كانت تجمعها من الشوارع والأسواق، وتعتني بها، تسهر بجانبها، وتضع الكمادات على جراحها، وتحاول منحها الدفء الذي حُرمت منه، ومع الوقت، زادت الحالات التي تحتاج إلى رعايتها، فقررت أن تأخذ خطوة أكثر شجاعة.

حصلت مونيكا على قطعة أرض بمساحة 10 أفدنة في منطقة صحراوية نائية شمال غرب المدينة، وحولتها تدريجيًا إلى مزرعة وحديقة رحمة، لا ترف فيها، لكنها مليئة بالعناية والحنان، حيث جهزت فيها عيادة بيطرية صغيرة، ومحطة تحلية، وأقفاص نظيفة، وساحات مفتوحة، وأماكن مظللة، وبرك بسيطة للشرب، وأطلقت عليها اسم “مكان للرحمة”.

اليوم، تضم حديقة مونيكا أكثر من 300 حيوان، تشمل كلاب وقطط وحمير وجمال وطيور، جميعها تتلقى رعاية يومية منتظمة من طعام ودواء وتنظيف وتطعيمات، دون أي مقابل مادي، سواء من المواطنين أو السياح، بل إن بعض السكان يأتون إليها عند اكتشاف حالات مصابة في أحيائهم، ليشيروا لها على أماكن الحيوانات المحتاجة.

ورغم أن مونيكا ليست طبيبة بيطرية، إلا أنها اكتسبت خبرة كافية لتشخيص العديد من الحالات، وتعاونت مع عدد من الأطباء البيطريين المتطوعين، وأصبح لديها فريق صغير من المساعدين، لكنها لا تزال تمارس معظم المهام بنفسها، من الإشراف على الطعام إلى تنظيف الأقفاص، ومراقبة الحالة النفسية للحيوانات التي تصل إليها خائفة أو منهكة من حياة الشارع، كما أنها تقوم بتنظيم زيارات دورية للمدارس الخاصة والدولية بالغردقة، لشرح أهمية الرفق بالحيوان للأطفال والطلاب، حيث تؤمن أن الجيل الجديد هو الأمل الحقيقي لتغيير ثقافة العنف والإهمال.

بالإضافة إلى ذلك، تنفذ مونيكا، بالتعاون مع جمعيات بيئية محلية ومديرية الطب البيطري بالبحر الأحمر، حملات تعقيم وتطعيم للقطط والكلاب الضالة، بهدف الحد من تكاثرها العشوائي بطريقة إنسانية، وغالبًا ما تموّل هذه الحملات من تبرعات أصدقائها في سويسرا وألمانيا، أو من زوار وسياح سمعوا بقصتها وقرروا تقديم الدعم.

ورغم اتساع حجم المسؤوليات وارتفاع تكلفة الرعاية اليومية، لم تطلب مونيكا دعمًا رسميًا، ولم تسعَ إلى تمويل حكومي أو شهرة إعلامية، كل ما تريده هو أن تستمر في أداء رسالتها، وأن تجد من يحمل الشعلة من بعدها، وخلال رحلتها في رعاية الحيوانات الأليفة والضالة، تم إنشاء جمعية مسجلة باسم “بلمون”، مما دفع بعض المهتمين بالشأن البيئي في الغردقة للمطالبة بدعم مؤسسي حقيقي لها، أو مساعدتها في توسيع الحديقة لتصبح أول مركز إنقاذ إنساني للحيوانات في محافظة البحر الأحمر.

وفي ظل موجات الحر القاسية وارتفاع أسعار الغذاء والدواء البيطري، تجد مونيكا نفسها في صراع يومي للحفاظ على استمرارية المشروع، لكنها لا تفقد الأمل، فتقول: «كل يوم أنقذ فيه حيوانًا من الموت هو يوم جديد من عمري، هذه المخلوقات لا تملك لسانًا يشكو ولا يدًا تحميها، وجودي هنا من أجلها فقط» وتضيف: «في أوروبا كنت أعيش بين بشر لا يعرفونني، أما هنا فأعيش بين مخلوقات تعرفني وتحبني وتثق بي دون شروط».

ومع مرور الوقت، أصبحت مونيكا أيقونة للرفق بالحيوان في الغردقة، يعرفها الجميع: السياح، السكان، السائقون، وحتى الأطفال الصغار ينادونها بـ”أم الحيوانات”، وما تفعله زرع ثقافة جديدة في المجتمع، وغيّر نظرة الكثيرين تجاه الحيوانات الضالة، ليس فقط ككائنات ضعيفة، بل ككائنات من حقها أن تعيش في أمان وكرامة.

وأكد الدكتور وحيد رفعت، نقيب البيطريين السابق، أن قصة مونيكا ليست مجرد حكاية عن سيدة غربية تعيش في مدينة مصرية، بل هي قصة إنسانية بلا حدود، عن اختيار صعب، عن امرأة هجرت المال والراحة لتمنح صوتًا وأمانًا لأرواح بلا صوت، وأضاف أنه هناك تعاون كبير مع جمعية بلمون لتنظيم حملات تعقيم وخصي للكلاب الضالة للحد من تكاثرها، وفي كل مرة تفتح فيها باب الحديقة ليخرج كلب إلى الحياة أو تدخل قطة مصابة لتجد العلاج، تكون قد أضافت لبنة جديدة في صرح الرحمة الذي تبنيه بصمت، يومًا بعد يوم، دون مقابل، ودون انتظار شكر.