
لقي 19 شخصاً على الأقل، معظمهم من الفتيات المراهقات العاملات باليومية، حتفهم في حادث سير مروع على الطريق الإقليمي بمحافظة المنوفية يوم الجمعة الماضية، حيث اصطدمت شاحنة نقل بحافلة صغيرة كانت تقل الفتيات من قريتهن كفر السنابسة إلى أماكن عملهن في المنوفية.
وفي أعقاب هذه المأساة، أطلقت عدد من النقابات الفرعية لصغار الفلاحين حملة للمطالبة بتوفير مواصلات آمنة للسيدات العاملات في الزراعة، حيث عملت النقابة العامة للفلاحين وصغار المزارعين على التنسيق مع الجهات المعنية لتوفير حماية اجتماعية للعمالة الزراعية. كما أطلقت نقابة صغار الفلاحين بمركز سمالوط في محافظة المنيا حملة لجمع توقيعات بهدف المطالبة بتوفير إجراءات السلامة على الطرق لحماية أرواح العاملات والعمال الزراعيين، حيث أكدت هناء عبد الحكيم، رئيس نقابة صغار المزارعين بسمالوط، أن حادث المنوفية يُظهر تكرار مشاهد مأساوية دون تدخل حقيقي من الجهات المعنية، مشيرة إلى أن العاملات والعاملين في الزراعة يضطرون لاستخدام وسائل نقل غير آمنة.
وأكدت النقابة في بيانها أن محافظة المنيا شهدت حادثتين مروعتين خلال شهرين فقط بسبب غياب وسائل النقل الآمنة للعمالة الزراعية، ففي صباح 18 أبريل، وقع حادث مأساوي على طريق الصعيد الصحراوي الغربي بالقرب من قرية تونا الجبل، أسفر عن وفاة 8 أشخاص، بينهم أطفال، وإصابة 24 آخرين، نتيجة تصادم سيارة محملة بالعمالة الزراعية مع سيارة نصف نقل. وفي اليوم التالي، وقع حادث آخر على نفس الطريق، أدى إلى وفاة عاملتين وإصابة 18 آخرين بسبب انقلاب سيارة (بيك أب) محملة بالعمال.
وفي الأيام التالية، تم ضبط سيارة ربع نقل كانت تقل 28 عاملاً زراعياً بطريقة مخالفة أثناء توجهها إلى إحدى المزارع شمال مدخل مركز أبوقرقاص، وذلك ضمن حملة مرورية لضبط المركبات المخالفة. وأشارت هناء عبد الحكيم إلى أن هذه الحوادث ليست الأولى، ولا يمكن اعتبارها الأخيرة في ظل غياب سياسات تحمي أوضاع العمالة الزراعية، والتي تُعد العمود الفقري للقطاع الزراعي، حيث يتطلب الأمر توفير وسائل نقل آمنة تحميهم من خطر الموت على الطرق الجانبية السريعة التي تفتقر للخدمات الطبية أو الإسعافات الأولية، والتي تُستخدم هرباً من الرقابة المرورية بسبب مخالفات جسيمة تتعلق بعدم صلاحية المركبات أو انتهاء رخص القيادة.
وأضافت أن السيارات المستخدمة لنقل العمالة الزراعية تحمل أعدادًا أكبر من الطاقة الاستيعابية، مما يعد أحد أبرز أسباب الحوادث المرورية التي تؤدي إلى فقدان أرواح العاملين في هذا القطاع، بسبب عدم تفعيل المراقبة الدورية على الطرق. وطالبت بضرورة إدماج هذه الفئة في برامج الحماية والتأمين الاجتماعي، خاصة النساء والفتيات، لما يتعرضن له من ظروف عمل غير لائقة، كما دعت لتشديد الرقابة على ظاهرة عمالة الأطفال، والعمل على إيقافها بسبب الانتهاكات الصارخة التي تهدد حياة ومستقبل هؤلاء الأطفال.
وفقًا للبيانات الرسمية لوزارة العمل، فإن معظم العاملات هن من الفتيات المراهقات، حيث لم تتجاوز اثنتان منهن الرابعة عشرة. كما نشرت جريدة الوقائع المصرية في العدد 94 تابع “ب” في 28 أبريل 2025، قرار وزارة العمل بشأن إيداع أوراق تأسيس النقابة العامة للفلاحين وصغار المزارعين.
وفي سياق متصل، صرح عبد الفتاح عبد العزيز، رئيس النقابة العامة للفلاحين وصغار المزارعين، أنه عقب الحادث، بدأت النقابة بالتنسيق مع النقابة العامة للنقل والمواصلات لإعداد حملات توعية لصغار الفلاحين والمزارعين والسائقين بأهمية الالتزام بالحارات المرورية، وعدم السماح للسائقين بنقل أعداد تفوق الطاقة الاستيعابية للسيارات، حيث تُعد هذه الظاهرة من الأسباب الرئيسية للحوادث. وأشار إلى أن الحوادث التي يعاني منها الفلاحون هي حوادث يومية ومتكررة، وتعمل النقابات الفرعية على رصدها بشكل يومي ورفع تقارير للنقابة العامة، حيث تم إخطار النقابة بحادث آخر على مدخل مدينة السادات بمحافظة المنوفية، أسفر عن إصابة أكثر من 18 مزارعًا.
وأكد أن النقابة تسعى لتوفير آليات للشكوى من قبل الفلاحين في حال إجبارهم من قبل أصحاب المزارع على استقلال سيارات غير آمنة، كما يعمل على التعاون مع وزارة العمل لإعداد قاعدة بيانات بالعمالة الزراعية، نظرًا لعدم وجود أي قاعدة بيانات تضم العمالة الزراعية، مشيرًا إلى وجود مطالب لوزارة التضامن لإدراج هذه الفئات في مظلة الحماية الاجتماعية.
من جانبها، أصدرت مؤسسة المرأة الجديدة بيانًا بعد الحادث، أكدت فيه أن هذا الحادث يكشف عن هشاشة منظومة الحماية الاجتماعية في مصر، حيث تسقط من جديد ضحاياها الأضعف، فتيات في عمر الزهور لم تُتح لهن فرص التعليم الكافي، ولم توفر لهن الدولة تأمينًا أو مواصلات آمنة، أو حتى حدًا أدنى من شروط العمل اللائق.
يجب أن يُعتبر الحادث الذي وقع أكثر من مجرد “حادث سير”، بل هو مشهد متكرر لعنف بنيوي منظم، تُنتج فيه السياسات الاقتصادية والاجتماعية موتًا مجانًا للنساء، وخاصة الشابات والفقيرات، اللاتي يقعن في قلب معادلة الاستغلال وغياب العدالة. كما أضاف البيان أن هذه الحادثة تمثل انعكاسًا مباشرًا لتقاطع معقد بين عدة أنماط من العنف البنيوي والتمييز الهيكلي ضد النساء، وعلى رأسها الفقر البنيوي الذي يدفع بفتيات في عمر الطفولة إلى سوق العمل، في ظل غياب شبكات الحماية الاجتماعية. كما يُفاقم ضعف الإنفاق العام على التعليم من أزمة التسرب الدراسي، خصوصًا بين الفتيات في الريف، مما يعيد إنتاج حلقة الفقر عبر الأجيال. وفي ظل غياب سياسات تشغيل عادلة تراعي النوع الاجتماعي، وتزايد الاعتماد على قطاع النقل غير الرسمي غير المؤمَّن، تجد العاملات أنفسهن عرضة لمخاطر جسيمة، دون أدنى ضمانات للسلامة أو الكرامة. إن حادث كفر السنابسة لا يُعبّر عن خلل فردي أو إهمال عارض، بل يكشف عن منظومة إنتاجية كاملة تتخلى عن أبسط معايير الحماية، وعن دولة انسحبت فعليًا من مسؤولياتها تجاه النساء الفقيرات.
وجود فتيات لم يتجاوزن الرابعة عشرة بين ضحايا حادث كفر السنابسة يعيد تسليط الضوء على ظاهرة عمالة الأطفال، التي تنتشر بشكل خاص في المناطق الريفية والصناعية دون رقابة فعّالة أو تدخل جاد من مؤسسات الدولة، ويُعزى تفاقم هذه الظاهرة إلى اتساع رقعة الفقر، وتراجع الدعم الاجتماعي، وغياب سياسات فعالة لحماية الطفولة، مما يدفع الأطفال، من الإناث والذكور، إلى دخول سوق العمل مبكرًا، في أعمال شاقة وبيئات خطرة، دون عقود أو تأمينات، وبالمخالفة الصريحة للقوانين الوطنية والاتفاقيات الدولية.
وطالبوا بتفعيل التشريعات التي تلزم أصحاب العمل بتوفير وسائل نقل آمنة ومؤمّنة، وتوفير الحماية للعاملات والعمال الزراعيين والعمالة غير المنتظمة، وتضمينهم في الاستراتيجية الوطنية للسلامة والصحة المهنية، بجانب حظر عمالة الأطفال بشكل فعال، وتوفير البدائل الاجتماعية والاقتصادية للأسر الريفية الفقيرة، وإدماج النوع الاجتماعي في جميع بنود السلامة المهنية، خاصة في قطاعات العمل غير الرسمي.
ويذكر أن تقرير متابعة الأداء الاقتصادي والاجتماعي عن العام المالي 2022/2023 الصادر عن وزارة التخطيط كشف أن أعداد العاملين في مجال الزراعة تُعتبر قطاع الزراعة أكثر القطاعات توفيرًا لفرص العمل، حيث يعمل به نحو 5.4 مليون شخص. وأكدت المؤسسة في تقرير لها يحمل عنوان “أرواح في الهامش .. ظروف عمل غير لائقة للعاملات في الزراعة” أنه خلال الفترة من 1 يناير 2025 حتى 23 أبريل من نفس العام، شهدت 25 حادثًا، حيث تصدر إقليم الصعيد بـ10 حوادث، يليه إقليم الدلتا بـ9 حوادث، والمحافظات الحدودية مثل مطروح والوادي الجديد بـ4 حوادث، بينما شهد إقليم القاهرة الكبرى وإقليم مدن القناة حادثًا واحدًا لكل منهما. نتج عن هذه الحوادث 305 إصابات لعمال وعاملات زراعة، من بينهم 81 قاصر، حيث تراوحت الإصابات بين كدمات وكسور ونزيف داخلي وارتجاج في المخ، كما أسفرت عن 44 حالة وفاة، من بينهم 12 قاصر، وفقًا لرصد المؤسسة.