استكشف حماطة: الجنة المخفية على البحر الأحمر بين جمال الشعاب المرجانية ومغامرات الصحراء

استكشف حماطة: الجنة المخفية على البحر الأحمر بين جمال الشعاب المرجانية ومغامرات الصحراء

في أقصى جنوب محافظة البحر الأحمر، داخل محمية وادي الجمال الطبيعية بمرسي علم، تقع منطقة «حماطة» كلوحة طبيعية فريدة حيث تتناغم الجبال والصحراء والشعاب المرجانية والشواطئ الرملية في مشهد يجمع بين الهدوء والمغامرة، فعلى بعد نحو 130 كيلومترًا جنوب مرسى علم، تفتح هذه البقعة الساحرة ذراعيها لعشاق الغوص ومحبي الحياة البرية ومريدي التخييم والسفاري، وللباحثين عن تجارب أصيلة بعيدًا عن صخب وضوضاء المدن.

وقد أكد الاستشاري البيئي، الدكتور أشرف صديق، أستاذ علوم البحار والمصايد بمعهد علوم البحار بالغردقة، أن شواطئ منطقة «حماطة» تتميز بمياهها الكريستالية الهادئة وجزرها القريبة التي لا تبعد أكثر من ميلين عن الساحل، مما يجعلها مثالية للغطس والغوص الحر، وتحتضن المنطقة أكثر من 20 موقعًا غوصيًا، من أشهرها «جزيرة حماطة» و«شعب السنور» و«منطقة الرومانس»، حيث تُعرف جميعها بتنوع الشعاب المرجانية النادرة والأسماك الملونة التي تُدهش الزائرين، كما أن المياه هنا موطن للسلاحف الخضراء وسمك نابليون وأسراب من أسماك الفراشة والباراكودا، والدلافين التي تتردد على المنطقة باستمرار، وتُعد «حماطة» وجهة مميزة للسائح الأوروبي الباحث عن «غوص بلا زحام»، حيث يجد فيها فرصة لمشاهدة الحياة البحرية في أكثر حالاتها طبيعية ونقاءً.

وتندرج «حماطة» ضمن محمية وادي الجمال – حماطة، التي أُعلنت محمية طبيعية عام 2003، وتمثل نموذجًا مثاليًا للسياحة البيئية المستدامة، حيث تشرف وزارة البيئة على تنظيم الأنشطة السياحية بالتعاون مع السكان المحليين من قبائل العبابدة، الذين أصبحوا شركاء في حماية الموارد الطبيعية وتقديم الخدمات البيئية.

وأشار محمد سعد، منظم رحلات بحرية، إلى أن جزر حماطة أصبحت محمية بحرية مصغرة تجذب الزوار من ألمانيا وبولندا والتشيك، كما تستقبل رحلات مدرسية وبيئية لاكتشاف الشعاب المرجانية دون أن تمسها أضرار الممارسات السياحية الكثيفة، وذلك بفضل القيود المفروضة على أعداد الزوار وسياسات وزارة البيئة للحفاظ على النظم البيئية الحساسة، وإلى الداخل قليلًا من الساحل، يرتفع جبل «حماطة» المهيب، الذي يُعتبر ثاني أعلى قمة في سلسلة جبال البحر الأحمر بعد جبل شايب البنات، حيث يبلغ ارتفاعه نحو 1977 مترًا، والصعود إلى قمة الجبل هو مغامرة تتطلب التحدي، لكنها تقدم تجربة فريدة لعشاق تسلق الجبال واستكشاف الطبيعة، وخلال الرحلة، يمر الزائرون عبر أودية ضيقة وتكوينات صخرية تعود لملايين السنين، ويشاهدون نباتات نادرة، مثل «الحرمل» و«العشرق» وأشجار «الأكاسيا» التي تتمايل وسط صمت الصحراء.

وتعيش في المنطقة الجبلية المحيطة بمنطقة حماطة أنواع نادرة من الحيوانات مثل الوعل النوبي والثعلب الرملي وغزال دوركاس، فضلًا عن نحو 13 نوعًا من الطيور المقيمة والمهاجرة، أبرزها صقر الغروب والغراب النوبي ونسر الرُخم المصري، مما يجعل من «حماطة» مركزًا مهمًا لمراقبة الطيور وللباحثين البيئيين من جامعات محلية ودولية، ولا يكتمل سحر منطقة «حماطة» دون التجربة البرية التي تبدأ من لحظة الخروج في رحلات السفاري بسيارات الدفع الرباعي، حيث تُنظم في المنطقة رحلات ميدانية تستمر من 6 إلى 10 ساعات داخل الوديان، حيث يزور السائحون عيون المياه العذبة المتناثرة، مثل عين «أبوتاتا» و«وادي حنيش»، ويكتشفون الرسوم الصخرية القديمة التي توثق حياة الإنسان البدائي ورحلات القوافل، وفي المساء، يتحول الموقع إلى مسرح للتخييم، حيث تُنصب الخيام على الرمال الدافئة، وتُضاء النيران وتُعد الوجبات البدوية وسط هدوء لا يُكسره سوى صوت النسيم أو وقع أقدام الوعول، فالتخييم هنا لا يقدم فقط سكونًا نفسيًا، بل يُعيد الاتصال بين الإنسان والطبيعة، بين السماء المرصعة بالنجوم والأرض المليئة بالذكريات الجيولوجية والبيئية.

وأكد محمود صابر، رئيس اللجنة الثقافية بنقابة المرشدين السياحيين بالبحر الأحمر، أن منطقة «حماطة» ليست مجرد اسم على خريطة، بل هي تجربة روحية وجسدية مكتملة، تقدم للسائح متعة الغوص في أصفى مياه البحر وتسلق الجبال المهيبة والمبيت تحت سماء مفتوحة والاستمتاع بعزف الطبيعة في أنقى صورها، بل إنها منطقة لم تفسدها يد الإنسان بعد، وتظل كنزًا سياحيًا بحاجة إلى الترويج والاهتمام، ليس فقط لأنها جميلة، بل لأنها تمثل نموذجًا متكاملًا للسياحة المستدامة في مصر.

بجانب تنوعها البيئي والبيولوجي، تحمل «حماطة» في باطن أرضها أسرارًا جيولوجية فريدة، فالمنطقة تقع ضمن حزام الدرع العربي النوبي، وتحتوي على تكوينات رسوبية ومتحولة ونارية تمثل سجلًا طبيعيًا لتاريخ الأرض عبر ملايين السنين، وتُعد صخور «الكوارتزيت» و«الجرانيت الوردي» المنتشرة في المنطقة من أبرز المعالم الجيولوجية، كما أن وجود صدوع وتشققات ضخمة يوثق حركة الأرض التي شكلت البحر الأحمر نفسه، كما تمثل الأودية المنتشرة، مثل «وادي الخرشوفة» و«وادي أم الجرسان»، ممرات مائية قديمة تشكلت عبر آلاف السنين، وتحتوي على رواسب نهرية وتحجرات نباتية وحيوانية تُستخدم حاليًا كدراسات بحثية في علوم المناخ القديم، كما تعد قرية حماطة نقطة تجمع رئيسية لمنظمي الرحلات، وتضم مركزًا بيئيًا صغيرًا لتوعية الزوار بأهمية النظام البيئي البحري والصحراوي، كما أنها تضم ورشًا بدوية للحرف اليدوية من الجلود والنخيل، مما يُعزز من دمج المجتمع المحلي في الاقتصاد السياحي الأخضر.