
ليست شقة عادية تلك التي تسكنها النجمة القديرة نبيلة عبيد، فكل زاوية فيها تحمل رائحة فيلم، وكل درج في خزانتها يحتفظ بمشهد، وكل جدار فيها عالق عليه ظل من الماضي، من بطولات خالدة، إلى لقاءات فنية، إلى مجلات احتفت بمسيرتها الطويلة، لكن اليوم، كل تلك الذكريات أصبحت مهددة بالزوال، مع تعديل قانون الإيجار القديم الذي طفا من جديد على سطح الجدل الاجتماعي والفني.
بيت الفن والتاريخ وليس مجرد أربعة جدران
نبيلة عبيد لم تتحدث بصوت فنانة تدافع عن منزلها، بل بصوت امرأة تدافع عن تاريخها كله، قالتها بمرارة: “أنا مش بتكلم عن مكان بنام فيه، أنا بتكلم عن أرشيف، عن تاريخ السينما اللي عشناه جوا الشقة دي”، كل ما احتفظت به خلال عشرات السنين، من ملابس شخصياتها، ومجلات فنية، وصور نادرة، وحتى الجوائز، كلها موجودة في هذا العنوان الذي تحوّل إلى متحف خاص لا يملكه أحد سواها.
ذكريات لا تؤرشف وماضي لا يعوّض
حين سألت بمرارة “هعمل إيه لو اضطرّيت أسيب الشقة؟!”، لم يكن سؤالًا عابرًا، بل نداء يحمل القلق والغضب، وتابعت: “جوائزي هتروح فين؟ تتباع على سور الأزبكية؟”، في إشارة إلى أن هناك تاريخًا فنيًا كاملًا قد يندثر تحت وطأة قوانين لا تراعي الجانب الإنساني، ولا تنظر بعين الاعتبار إلى قيمة الأشخاص الذين بنوا أمجاد الفن العربي من هذه المساحات البسيطة.
ما بعد التعديلات فوضى مشاعر وتخوف من المستقبل
القانون الجديد الذي مرره البرلمان لتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر في الإيجار القديم، ورغم أنه لا يشمل الشقق السكنية في الوقت الراهن، أثار قلق الفنانة، التي ترى أن الخطوة التالية قد تطالها بشكل مباشر، خصوصًا مع تصاعد الحديث عن إعادة هيكلة سوق الإيجارات بالكامل، وهو ما يجعل شريحة كبيرة من الفنانين القدامى تحت ضغط نفسي هائل.
خطط حكومية ولكن هل تكفي؟
ورغم إعلان وزارة الإسكان عن خطط لتعويض المتضررين، من خلال توفير وحدات بديلة بأسعار مدعومة، وتسهيلات تسجيل إلكتروني، إلا أن تساؤلات نبيلة عبيد لا يمكن حلها بسكن بديل، فالأمر ليس في عدد الأمتار، بل في حجم الذكريات التي تسكن الجدران، وهي لا تُنقل في صناديق، ولا تُوزن بقرارات حكومية.
البيت مش بس عنوان البيت روح
نبيلة عبيد أطلقت رسالتها بصوت مرتجف لكنه قوي، قائلة: “أنا مش طالبة إعفاء، أنا طالبة تفهُّم”، وهي رسالة تتجاوز الحالة الفردية، لتعبّر عن أزمة صامتة يعيشها كثيرون، ممن يعتبرون منازلهم ذاكرة ممتدة، لا مجرّد عقود إيجار قد تنتهي في لحظة.