إطلاق أول بنك معلومات وراثية لأسماك القرش في البحر الأحمر: خطوة جديدة نحو حماية التنوع البيولوجي

في خطوة علمية غير مسبوقة تعكس تطور أدوات البحث البيئي في مصر، تم إحراز تقدم كبير في مشروع دراسة ومراقبة أسماك القرش في البحر الأحمر، حيث وصل المشروع إلى مرحلة حاسمة بعد سنوات من العمل الميداني والمراقبة الدقيقة لحركة هذه الكائنات البحرية المفترسة، ولم يقتصر الأمر على تتبع المسارات عبر الأقمار الصناعية فقط، بل أُضيفت أبعاد علمية متقدمة تتعلق بتحليل الجينات والتصوير والتوثيق، مما يساهم في تعزيز منظومة الأمن البحري والوقاية من الحوادث من خلال بدء إنشاء أول بنك معلومات وراثية «DNA بنك» لأسماك القرش في البحر الأحمر.
وقد أكد المستشار العلمي للبحر الأحمر الدكتور محمود حنفي، أستاذ البيئة البحرية بجامعة قناة السويس، أن المشروع الذي بدأ بتثبيت أجهزة تتبع عبر الأقمار الصناعية على عدد من أسماك القرش لرصد تحركاتها في البيئات البحرية المختلفة، تطور ليشمل جمع عينات جينية دقيقة من الأسماك المرقمة بهدف إنشاء أول بنك معلومات وراثية «DNA بنك» لأسماك القرش في البحر الأحمر المصري، وهو ما يمثل سابقة علمية ستتيح للباحثين فهم التركيبة الوراثية لهذه الكائنات ومعرفة مدى تنوعها، وما إذا كانت القروش المقيمة في المياه الإقليمية مصرية المنشأ أم أنها وافدة من المحيطات المفتوحة مثل المحيط الهندي أو الهادئ، وهو ما يعد عنصرًا أساسيًا في إدارة مخاطر التفاعل بين الإنسان والحياة البحرية في المناطق السياحية والغوص.
وأوضح حنفي في تصريحات خاصة للمصري اليوم أن جهود المشروع لم تقتصر على جمع البيانات الحية فقط، بل شملت أيضًا توثيق الزعنفة الظهرية لكل فرد من القروش المصنفة في البحر الأحمر عبر تصوير دقيق ووضع أرقام تعريفية فريدة، مما يتيح في حالة وقوع أي حادث نادر إمكانية الرجوع السريع لهوية الحيوان المتورط، ومعرفة مصدره وتحركاته السابقة، مما يشكل منظومة علمية متكاملة تربط بين البحث والتطبيق العملي في مجال إدارة الأزمات.
واعتبر حنفي أن هذه المبادرة تعد واحدة من أقوى أدوات التنبؤ العلمي بمناطق تواجد القروش في أوقات محددة من السنة، مما يسمح بتوفير خرائط دقيقة لمناطق نشاطها، وتحذير الغواصين والجهات المعنية والأنشطة البحرية الأخرى إذا لزم الأمر، كما تسهم تلك الخرائط في حماية القروش نفسها من التعدي والصيد غير المشروع أو الإزعاج البشري خلال فترات التزاوج أو الولادة.
وأكد العلماء المشاركون في برنامج الرصد أن المشروع لا يهدف إلى التخويف أو المبالغة في التهديد، بل يسعى لتعزيز التعايش الآمن بين الإنسان والحياة البحرية، والحفاظ على التوازن البيئي في البحر الأحمر الذي يعد واحدًا من أكثر البيئات البحرية تنوعًا وحساسية في العالم، خصوصًا وأن أسماك القرش تلعب دورًا بيئيًا حاسمًا في ضبط أعداد الأنواع الأخرى ومنع انتشار الأمراض في الشعاب المرجانية.
ويأمل القائمون على المشروع أن يمتد النموذج ليشمل أنواعًا أخرى من الكائنات البحرية المهددة، وأن يصبح بنك المعلومات الجينية أداة دائمة للبحث العلمي في مصر والمنطقة، مع إمكانية التعاون مع مراكز دولية لدراسة تحركات القروش بين الحدود الإقليمية والدولية، مما يفتح المجال أمام اتفاقيات إقليمية لحمايتها بشكل أكثر فاعلية، وفي الوقت نفسه، يعكس المشروع وجهًا جديدًا للسياحة البيئية في البحر الأحمر، من خلال تقديم نموذج راقٍ للتفاعل المسؤول مع الكائنات البحرية، يدمج بين الغوص الترفيهي والسياحة العلمية، ويوفر مادة تعليمية مبهرة للزائرين والمهتمين، خاصة في ظل تزايد الوعي العالمي بأهمية استدامة المحيطات والبحار، وضرورة حماية مفترسات القمة التي تشكل العمود الفقري للأنظمة البيئية البحرية.