
تتطور العلاقات بين مصر والهند بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة، ويعود ذلك إلى الظروف العالمية مثل التصعيد بين إيران وإسرائيل، وكذلك الوضع الفلسطيني، بالإضافة إلى الأزمة الروسية الأوكرانية، مما أتاح فرصة جديدة للتعاون بين البلدين لتحقيق مصالحهما المشتركة والمساهمة في عملية النمو والتطور.
تعتبر مصر بوابة الهند إلى إفريقيا وأوروبا، وتتمتع باقتصاد ديناميكي للغاية، وهو ما تجلى في الزيارات المتبادلة على المستوى العالي بين البلدين، حيث يُتوقع أن تشهد مصر مزيدًا من الاستثمارات الهندية في المستقبل.
تجمع مصر والهند شراكة استراتيجية قوية وعميقة، حيث تسعى الهند إلى تعزيز التعاون في مجال التكنولوجيا بين القطاعين الخاصين، مما يتيح فرصة للاستثمار والتدريب والتوجه نحو الأسواق العالمية من خلال مصر.
وفي هذا السياق، أكد نائب وزير الشؤون الخارجية الهندية، أرون كومار تشاترجي، أن العلاقات المصرية الهندية، رغم نموها الملحوظ مؤخرًا، ليست جديدة، حيث وصفها بأنها “راسخة واستراتيجية ومهمة”.
كما أشار المسؤول الدبلوماسي إلى أهمية تبادل الزيارات، موضحًا أن اللقاءات بين الرئيس عبدالفتاح السيسي ورئيس وزراء الهند ناريندرا مودي عززت هذه الشراكة.
وذكر تشاترجي أن عام 2023 كان عامًا مميزًا، حيث زار الرئيس السيسي نيودلهي كضيف شرف رئيسي في احتفالات يوم الجمهورية في يناير، بينما قام مودي بزيارة القاهرة في يونيو، حيث تم توقيع إعلان مشترك لترقية العلاقات إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية.
علاوة على ذلك، قام الرئيس السيسي بزيارة أخرى للهند في سبتمبر للمشاركة في قمة مجموعة العشرين، مما يعكس حرص البلدين على تعزيز التعاون في مختلف المجالات.
وفيما يتعلق بالعلاقات السياسية، وصف تشاترجي العلاقة مع القاهرة بأنها “قوية”، مشيرًا إلى الاتصالات المستمرة والزيارات بين كبار المسؤولين.
وأشار نائب وزير الشؤون الخارجية الهندية إلى أن حجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ نحو 6 مليارات دولار هذا العام، مع التأكيد على رغبة القاهرة ونيودلهي في مضاعفة هذا الرقم في المستقبل.
كما تطرق إلى الاستثمارات الهندية في مصر، التي تقدر بنحو 5 مليارات دولار، معربًا عن تطلعهم لتنفيذ مشاريع تنموية مشتركة، وهو أمر بالغ الأهمية.
وفي سياق آخر، تحدث المسؤول الهندي عن الاتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس السيسي مع رئيس الوزراء الهندي، حيث أعرب السيسي عن تعازيه للحكومة الهندية وتضامن مصر مع أسر ضحايا حادث إرهابي استهدف سائحين هنود في كشمير، مؤكدًا إدانة مصر لكافة أشكال الإرهاب.
كما أعرب تشاترجي عن شكر بلاده لمصر والدول التي عبرت عن تضامنها مع الهند في هذا الحادث المؤلم.
وفيما يخص التطورات الأخيرة في الشرق الأوسط، أوضح المسؤول الهندي أن بلاده أعربت عن قلقها العميق إزاء التصعيد الأخير ودعت إلى ضبط النفس، مشيرًا إلى علاقات الهند الجيدة مع إيران وإسرائيل.
وفيما يتعلق بقطاع غزة، أكد نائب وزير الخارجية الهندي دعم بلاده للجهود المصرية الرامية إلى وقف إطلاق النار، معربًا عن إدانة الهند لسقوط المدنيين.
كما أكد تشاترجي أن بلاده كانت وستظل دائمًا داعمة للسلام والإنسانية، مشيرًا إلى إرسال شحنات من المساعدات الإنسانية إلى القطاع وداعيًا إلى الإفراج عن المحتجزين وضرورة وقف إطلاق النار.
وفي ذات السياق، أكد المسؤول الهندي دعم بلاده المستمر لحل الدولتين، كما استعرض أبرز الإنجازات الاقتصادية والتنموية التي حققتها الهند، مشيرًا إلى أنها أصبحت رابع أكبر اقتصاد في العالم.
نمو العلاقات المصرية الهندية
أكد الدكتور سمير بهاتشاريا، كبير المحللين المتخصصين في الشؤون الإفريقية بمؤسسة “أوبزرفر” الهندية، أن العلاقات بين مصر والهند “تاريخية وذات خصوصية”، وتشهد طفرة نوعية في السنوات الأخيرة، وهو ما ظهر خلال مشاركة الرئيس السيسي كضيف شرف في احتفالات الهند بيوم الجمهورية.
وأشار المحلل إلى الأهمية الاستراتيجية التي تعطيها بلاده لعلاقاتها مع مصر، مشيدًا بزيارة مودي إلى القاهرة التي توجت بتوقيع إعلان مشترك لرفع العلاقات إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية.
وأضاف أن هذا التطور يعكس الروابط التاريخية والحضارية العميقة بين البلدين، فضلاً عن الإرادة السياسية لتعزيز التعاون في مختلف المجالات.
وأوضح بهاتشاريا أن الهند تعتبر مصر شريكًا محوريًا بفضل موقعها الجغرافي القريب من العالم العربي وأوروبا وإفريقيا، مما يعزز من أهميتها في العلاقات الإقليمية والدولية.
كما أشار إلى أن العلاقات بين القاهرة ونيودلهي تشمل شراكة واسعة تمتد إلى مجالات السياسة والاقتصاد والتجارة والثقافة، وتتجاوز الإطار التقليدي لتشمل مجالات مبتكرة مثل الهيدروجين الأخضر، مع وجود تعاون ملموس أيضًا في مجال الأمن ومكافحة الإرهاب.
وفيما يتعلق بالسياحة، أوضح المحلل أن مصر تحتل المرتبة الأولى بين الوجهات الإفريقية بالنسبة للسياح الهنود، مما يعكس الاهتمام المتزايد بالسياحة الثقافية والتاريخية.
وأكد بهاتشاريا أن العلاقات بين الهند وإفريقيا تُعد من أولويات السياسة الخارجية الهندية، حيث شهدت توسعًا ملحوظًا في عهد مودي، الذي أطلق مبادرات تنموية لتعزيز الشراكة مع القارة الإفريقية في مجالات البنية التحتية والرعاية الصحية والتحول الرقمي.
وأوضح أن الهند تهدف إلى تعزيز حضورها في إفريقيا ليس فقط كمستثمر، بل كشريك تنموي، مع التركيز على قضايا الأمن الغذائي والتكنولوجيا المستدامة.
تعتبر مؤسسة “أوبزرفر” واحدة من أبرز مراكز الفكر والرأي المستقلة في الهند، وتلعب دورًا أساسيًا في دعم صانعي القرار من خلال تقديم دراسات استراتيجية معمقة حول التحديات الإقليمية والدولية.
تأسست المؤسسة عام 1990 بهدف تعزيز الحوار البنّاء بين الباحثين وصناع القرار، مما يسهم في إثراء النقاش حول السياسات العامة والحوكمة، بالإضافة إلى دورها المتنامي في تعزيز التعاون الدولي ومواكبة التحولات العالمية.
وتغطي أبحاث المؤسسة مجموعة واسعة من القضايا، بما في ذلك السياسة الخارجية والأمن والدفاع، إضافة إلى الاقتصاد والتنمية المستدامة، مما يجعلها مرجعًا رئيسيًا للباحثين وصناع السياسات في الهند وخارجها.
وتُعتبر المؤسسة أيضًا من أبرز المنظمين لمؤتمر حوار رايسينا السنوي، الذي يُعد من أكبر المنتديات العالمية للحوار الاستراتيجي في آسيا، حيث يشارك فيه قادة وخبراء وممثلون حكوميون لمناقشة القضايا الجيوسياسية.