تكنولوجيا متطورة: تثبيت أجهزة تتبع بالأقمار الصناعية لرصد سلوكيات أسماك القرش في البحر الأحمر

تكنولوجيا متطورة: تثبيت أجهزة تتبع بالأقمار الصناعية لرصد سلوكيات أسماك القرش في البحر الأحمر

استأنفت رحلات الغوص نشاطها في منطقة جزر «الأخوين» جنوب البحر الأحمر اليوم الأربعاء، بعد توقف ليوم واحد فقط، حيث خصصت الجهات المعنية هذا الوقت لتنفيذ برنامج علمي دقيق لرصد وتتبع أسماك القرش باستخدام أجهزة مرتبطة بالأقمار الصناعية، في خطوة تُعتبر الأولى من نوعها في المنطقة، وتهدف إلى حماية التنوع البيولوجي وضمان سلامة الزوار من هجمات أسماك القرش.

وأعلنت محميات البحر الأحمر عن استئناف النشاط السياحي والغوص في «الأخوين»، بعد أن أنهى فريق علمي متخصص تثبيت أجهزة تتبع بالأقمار الصناعية على عدد من أسماك القرش المستهدفة، وذلك ضمن مشروع علمي تحت إشراف وزارة البيئة ومحميات البحر الأحمر، بمشاركة جمعية هيبكا وخبير دولي فرنسي مختص في تتبع الكائنات البحرية.

وأكد الدكتور محمود حنفي، المستشار العلمي لمحافظة البحر الأحمر، أن الأجهزة المثبتة ستوفر بيانات دقيقة حول تحركات القروش وسلوكها وأنماط هجرتها وتفاعلها مع البيئة البحرية، مشيرًا إلى أن الفريق البحثي أعاد القروش إلى بيئتها الطبيعية فور الانتهاء من عملية التثبيت، ويُعتبر برنامج تتبع القروش بالأقمار الصناعية أحد الركائز الجديدة في سياسات الحماية البحرية، حيث يهدف إلى بناء قاعدة بيانات موثوقة تُستخدم في تعزيز التوعية والتدريب لمشغلي الغوص والسائحين، بالإضافة إلى وضع ضوابط دقيقة لمواقع ظهور القروش، مما يسهم في تقليل المخاطر وتعظيم الفوائد البيئية والسياحية في ذات الوقت.

وقد تلقت مراكز الغوص في المنطقة إخطارًا رسميًا من محميات البحر الأحمر بتعليق الرحلات ليوم واحد، حرصًا على توفير بيئة هادئة وآمنة لتنفيذ البرنامج البحثي دون أي تدخل أو إزعاج، وهو ما قوبل بتعاون وتقدير من مشغلي الغوص لأهمية الأهداف العلمية والأمنية للبرنامج.

تُعتبر جزر «الأخوين» من أشهر مواقع الغوص في العالم، لما تتميز به من تنوع بيولوجي مذهل ووفرة في الشعاب المرجانية والأسماك المفترسة النادرة، بما في ذلك أنواع متعددة من أسماك القرش، مما يجعلها نقطة جذب لعشاق المغامرة ومحبي الحياة البحرية من مختلف دول العالم.

تطوير آليات للتعايش الآمن

يأمل القائمون على البرنامج أن يُحدث استخدام التقنيات الفضائية في تتبع القروش نقلة نوعية في فهم هذا الكائن البحري المعقد، وتطوير آليات للتعايش الآمن معه، سواء في السياحة أو في الأبحاث العلمية طويلة الأجل، فهذه التجربة الجديدة في «الأخوين» لا تمثل فقط تطورًا في أدوات الحماية البيئية، بل تقدم أيضًا نموذجًا ناجحًا للتوازن بين السياحة والبحث العلمي، وتؤكد أن السياحة المسؤولة تبدأ من احترام الكائنات البحرية وفهمها، وليس الخوف منها.

رصد سلوكيات أسماك القرش وتحليل تحركاتها

يأتي البرنامج في إطار استئناف الجهود الوطنية لرصد سلوكيات أسماك القرش وتحليل تحركاتها وتوزيعها الجغرافي من خلال تركيب عدد من أجهزة التتبع والرصد على ظهور أسماك القرش، مما يعزز من حماية هذا النوع البيولوجي الهام، ويساهم في الحفاظ على توازن النظم البيئية البحرية الفريدة بالمنطقة، ويحد من هجمات أسماك القرش على البشر.

هذا المشروع يأتي في وقت تشهد فيه السواحل المصرية إقبالًا متزايدًا من السائحين ومحترفي الغوص، ما يستلزم المزيد من الإجراءات الوقائية والإدارية التي تحقق التوازن بين النشاط السياحي والحفاظ على الكائنات البحرية والبيئة الطبيعية.

يُنفذ البرنامج من خلال فريق مصري متخصص، يضم باحثين بينهم الدكتور محمود حنفي المستشار العلمي لمحافظة البحر الأحمر والدكتور تامر كمال مدير عام إدارة التنوع البيولوجي بوزارة البيئة والدكتور أحمد غلاب مدير عام محميات البحر الأحمر وعدد من باحثي وزارة البيئة ومحميات البحر الأحمر وجمعية هيبكا، بمشاركة ميدانية من البروفيسور الفرنسي إيريك كلوى، أحد أبرز علماء البيئة السلوكية البحرية على مستوى العالم، والذي يمتلك خبرات طويلة في رصد وتفسير سلوك أسماك القرش في البيئات البحرية الحساسة، وتشمل مناطق تنفيذ البرنامج شواطئ البحر الأحمر وجزر الأخوين والفستون ومناطق تواجد أسماك القرش بمناطق الغوص جنوب البحر الأحمر.

حماية التنوع البيولوجي

أكد الدكتور محمود حنفي، أستاذ البيئة البحرية والمستشار العلمي لمحافظة البحر الأحمر وجمعية المحافظة على بيئة البحر الأحمر، أن البرنامج يتم تنفيذه بطول شواطئ البحر الأحمر وشواطئ الجزر البحرية لمدة 6 أيام، من خلال تركيب عدد من أجهزة الرصد والتتبع على ثلاثة أنواع من أسماك القرش، يتم ذلك عن طريق صيدها وإعادتها مرة أخرى للمياه بعد تركيب الجهاز، بهدف جمع بيانات تفصيلية ودقيقة حول عدد من أنواع أسماك القرش التي تعيش في البحر الأحمر، مع تحليل أنماط الهجرة، وسلوك التغذية، وتغيرات الحركة الموسمية، والتفاعل مع الأنشطة البشرية، ويهدف هذا إلى صياغة استراتيجيات مستدامة لإدارة موارد البيئة البحرية وحماية التنوع البيولوجي.

يستهدف البرنامج 3 أنواع من قروش البحر الأحمر لوضعها تحت المراقبة والرصد بالأقمار الصناعية، وهي الأنواع الأشد خطرًا ومهاجمة للبشر، ومن المقرر دراسة وتتبع حركة 3 أنواع من القروش هي «تايجر» و«ماكو» و«أوشينك»، حيث إن جميع الهجمات المسجلة السابقة على البشر في مصر كان وراءها الأنواع الثلاثة الأشرس بالبحر الأحمر، تُعتبر هذه الأجهزة متصلة بالأقمار الصناعية، لتقديم معلومات دقيقة عن كل حركة وسلوكيات الأسماك المستهدفة، ويتم تثبيت الأجهزة بها ثم إطلاقها في البحر مرة أخرى، ويتم تدريب الباحثين المتخصصين من محميات البحر الأحمر الذين سينفذون البرنامج.

وأضاف حنفي في تصريحات خاصة لـ «إقرأ نيوز» أن البرنامج يشمل تنفيذ تدريبات عملية ميدانية لفريق من الباحثين المصريين الشباب، بهدف بناء قدراتهم العلمية والعملية في استخدام أجهزة الرصد الحديثة في تتبع أسماك القرش وتطوير مهاراتهم في تحليل وتفسير البيانات البيئية، خاصة فيما يتعلق بالكائنات البحرية الكبرى مثل أسماك القرش.

خرائط دقيقة للمناطق الحيوية لأسماك القرش

وأوضح حنفي أن هذا البرنامج يعكس التزام مصر بتطبيق أفضل الممارسات البيئية المعتمدة عالميًا، في ظل التحديات البيئية التي تواجه الشعاب المرجانية والكائنات البحرية بالبحر الأحمر، وأن البيانات التي سيتم جمعها ستُستخدم لوضع خرائط دقيقة للمناطق الحيوية لأسماك القرش، وتحديد أهم موائلها الطبيعية، بما يدعم خطط الحماية الفعالة على المدى الطويل وتعزيز السياحة المسؤولة من خلال الحفاظ على النظم البيئية وتطبيق أدوات الرصد والمراقبة البيئية المتقدمة، بغرض التعرف على سلوكيات الأنواع المستهدفة وأسباب تغير تلك السلوكيات على مدار مختلف الفصول، وتقييم حالة أعداد وتنوع أحجام أسماك القروش، وكذلك تحديد معامل الخطورة والإجراءات الاحترازية المطلوبة خلال هذه الفترة من العام، بالإضافة إلى تحديد الجنس والفحص الظاهري للقروش.

وتابع حنفي أن هذه الإجراءات تستهدف جعل الغوص أكثر أمانًا مع أسماك القرش وتجنب ظهور القروش بالقرب من شواطئ القرى السياحية، بجانب استمرار التوعية بتجنب أية ممارسات من شأنها اجتذاب أسماك القرش أو أية أسماك أخرى قد تؤدي لتعريض حياة ممارسي الغوص و«السنوركلينج» للخطر، وأن هذه الخطوة بتركيب أجهزة تتبع لأسماك القرش ستجعل الغوص أكثر أمانًا مع أسماك القرش وتجنب ظهور القروش بالقرب من شواطئ القرى السياحية، بجانب استمرار التوعية بتجنب أية ممارسات من شأنها اجتذاب أسماك القرش أو أية أسماك أخرى قد تؤدي لتعريض حياة ممارسي الغوص و«السنوركلينج» للخطر.