إدوارد تودا: شغف التراث المصري مقابل تحديات نهب الآثار

إدوارد تودا: شغف التراث المصري مقابل تحديات نهب الآثار

حتى الخامس من أكتوبر، يُرحب المتحف الوطني للآثار في مدريد بجمهوره لاستكشاف معرض استثنائي يروي قصة شخصية بارزة في تاريخ إسبانيا، وهي الدبلوماسي الكتالوني إدوارد تودا، الذي ترك بصمة واضحة في علم المصريات.

يدعو المعرض الزوار للتفكر في حقبة من تاريخ أوروبا الاستعماري، حيث كان جمع الآثار يتأرجح بين نشر المعرفة ونهب التراث، ويعرض أكثر من ٤٠٠ قطعة أثرية أصلية ومُعاد إنتاجها، مسلطًا الضوء على حياة رجل كان عاشقًا لمصر وفي ذات الوقت جزءًا من عملية الاستحواذ الثقافي.

يُعتبر إدوارد تودا أول عالم مصريات إسباني حقيقي، وقد بدأ رحلته في الشرق عندما تولى مناصب دبلوماسية في آسيا، حتى عُيّن نائبًا للقنصل الإسباني في القاهرة عام ١٨٨٤، وسرعان ما أسَرَه جمال مصر القديمة وواقعها الاجتماعي والسياسي، مما دفعه للقيام برحلات استكشافية إلى صعيد مصر ووادى الملوك، حيث اقتنى وثّق، واكتشف ما كان يُعتبر أحد أعظم الاكتشافات: مقبرة الحرفي سننجم.

تُعتبر هذه المقبرة، التي حافظت على سلامتها قبل أن تُنهب لاحقًا، نافذة على تفاصيل نادرة عن الحياة والموت في مصر القديمة، فقد وثّق تودا محتوياتها من المومياوات والجداريات بدقة، مما ساهم لاحقًا في حفظها وعرضها في متحف القاهرة.

بعد عودته إلى إسبانيا، قام تودا بتوزيع مقتنياته بين الدولة ومؤسسات ثقافية مثل مكتبة ومتحف فيكتور بالاغير، رافضًا تركها في موقعها الأصلي، مما يثير تساؤلات أخلاقية لا تزال مطروحة حتى اليوم: هل كانت رحلاته خدمة للعلم أم كانت جزءًا من عملية تجريد حضاري؟

يعيد المعرض بناء مكتب تودا في القاهرة، ويقدم تجربة غامرة داخل مقبرة سننجم، بالإضافة إلى عرض قطع تتنوع بين الاستخدام اليومي مثل النظارات والأحذية والمصابيح، والعناصر الدينية التي تعكس الطقوس والمعتقدات المصرية القديمة، ومن أبرز المعروضات: مجموعات الأوشابتى الجنائزية التي كانت تُدفن مع الموتى لخدمتهم في العالم الآخر، وتابوت خشبي فخم يعود لكاهن من معبد آمون في الكرنك، إلى جانب مصابيح بطلمية تمزج بين الأسلوب اليوناني الروماني والروحانية المصرية.

يطرح المعرض، من خلال سرد حيوي وجمالي، إشكالية علاقة أوروبا بالشرق في القرن التاسع عشر، وكيف أصبحت الحضارات القديمة مادة جذب واستحواذ لأثرياء أوروبا المثقفين، وبينما يكرّم المعرض مساهمة إسبانيا في علم المصريات، فإنه لا يغفل الإشارة إلى التوتر المستمر بين الاكتشاف والنقل، بين الشغف بالمعرفة والسطو الثقافي.

وبهذا، يقف إدوارد تودا في ذاكرة التاريخ بشخصية مزدوجة: مستكشف متحمس وثقافي، وسليل منظومة كانت ترى أن المعرفة تبدأ عندما تُنقل الكنوز إلى “المتحف الأوروبي”.