شعاب سطايح بمرسى علم: اكتشف جنة الدلافين وسحر الجاذبية البحرية في جنوب البحر الأحمر

شعاب سطايح بمرسى علم: اكتشف جنة الدلافين وسحر الجاذبية البحرية في جنوب البحر الأحمر

في أعماق مياه مرسى علم الهادئة، وتحديدًا في شعاب «سطايح» البحرية، تنبض الحياة بتفاصيل فريدة لا يمكن رؤيتها في أي مكان آخر، حيث تُعتبر واحدة من أعظم ثروات البحر الأحمر البيئية والسياحية، فهنا تعيش «الدلافين الدوارة» التي اختارت هذا المكان الرائع موطنًا دائمًا لها، مما جعل الشعاب المرجانية تحكي قصة جذب استثنائية، يتوافد إليها الآلاف من السائحين سنويًا من مختلف الجنسيات، وتُعتبر الآن من أهم مناطق الغوص والأنشطة البيئية في مصر، وأغناها تنوعًا وجمالًا وثراءً بيولوجيًا.

تُعرف منطقة سطايح أيضًا باسم بيت الدلافين، حيث لا تقتصر على كونها منطقة شعاب عادية بل تمثل نظامًا بيئيًا دقيقًا وملاذًا طبيعيًا للكائنات البحرية، وعلى رأسها الدلافين المغزلية أو الدوارة التي تعتبر هذا المكان نقطة استراحة نهارية رئيسية، حيث تستقر بهدوء، تستجم، وتقوم بأنشطتها الاجتماعية، ثم تنطلق مع الليل نحو الصيد في أعماق البحر، وتتميز دلافين سطايح بنسبة ظهور عالية تصل إلى أكثر من ٩١٪ من أيام السنة، مما يجعلها واحدة من أعلى معدلات مشاهدة الدلافين في العالم، وقد ساهمت هذه النسبة في شهرتها الواسعة بين هواة الحياة البحرية ومصوري الطبيعة، كما تتراوح أعداد الدلافين المقيمة في هذه المنطقة بين ٢٤ و١١٢ دولفينًا، بمتوسط يومي يبلغ نحو ٥٨ دولفينًا، مما يعكس الاستقرار البيئي والجاذبية الطبيعية لهذا الخليج الفريد.

تأتي الإناث الحوامل من الدلافين إلى سطايح في الفترة ما بين نوفمبر ويونيو من كل عام، بينما تحدث عملية الولادة ووضع الصغار خلال شهري يوليو وأغسطس، مما يجعل سطايح أيضًا دار حضانة طبيعية لها خصوصيتها البيولوجية الدقيقة، والتي تتطلب أقصى درجات الحماية، حفاظًا على توازن البيئة البحرية واستمرارية هذا النوع المهم في المنظومة البحرية.

نظرًا لأن شعاب سطايح تجمع بين الأهمية البيئية العالية والجاذبية السياحية المتنامية، وضعت وزارة البيئة خطة إدارة متكاملة للمنطقة تهدف إلى الحفاظ على استدامة هذا المورد الطبيعي الحيوي، وضمان سبل الراحة والأمان للدلافين المقيمة فيها، وبحسب الخبير البيئي الدكتور محمد إسماعيل، فقد تم تقسيم منطقة شعاب سطايح إلى أربع مناطق استخدام رئيسية، كل منها له قواعده الخاصة في الحركة والأنشطة البشرية، وفقًا لدرجة القرب من مناطق استراحة الدلافين ومستويات الحساسية البيئية، وقد بدأ التقسيم بالمنطقة (أ١ وأ٢) في الجزء الشمالي الشرقي والجنوب الشرقي من الشعاب، وهما منطقتان ضحلتان لا تتجاوز أعماقهما أربعة أمتار، وقد أثبتت عمليات الرصد أن الدلافين تقضي فيهما ما نسبته ٨٨٪ من وقتها النهاري، مما جعلهما مناطق حماية مطلقة لا يُسمح بدخولها إلا للبحث العلمي وبموافقة مسبقة من إدارة محمية وادي الجمال – حماطة، وهما بذلك يمثلان القلب النابض لحماية سطايح البحرية.

أما المنطقة (ب٢) فتُعتبر منطقة عازلة مجاورة للمنطقة المحمية، حيث تُمنع فيها أنشطة الغوص وحركة اللنشات، بينما يُسمح فقط بأنشطة السنوركل والبحث العلمي، وبشروط تضمن عدم الإزعاج، تليها المنطقة (ج) التي تُعتبر منطقة خارجية أكثر اتساعًا يُسمح فيها بممارسة السنوركل والغوص وحركة الزودياك الصغيرة، بشرط أن لا تتعدى سرعة التحرك عشر عقد بحرية في الساعة، وأخيرًا المنطقة (د) وهي المنطقة المخصصة فقط لرسو القوارب السياحية، ولا يُسمح لأي مركب بالرسو خارجها، منعًا لإحداث اضطرابات في النظام البيئي أو التسبب في تشتت الدلافين عن موائلها.

تخضع شعاب سطايح حاليًا لإشراف بيئي دقيق من جانب وزارة البيئة ومحميات البحر الأحمر، بالتعاون مع مراكز الغوص المرخصة والجهات السياحية العاملة في مرسى علم، حيث يتم تحصيل رسوم دخول ومتابعة صارمة للحركة في الموقع، إلى جانب تنفيذ برامج توعوية للسائحين عن كيفية التعامل مع الدلافين دون إزعاجها، مع الالتزام بمسافة آمنة وعدم ملامستها أو مطاردتها، في إطار منظومة متكاملة تجعل من السياحة البيئية مصدر دخل للدولة، وأداة فعالة لحماية الكائنات البحرية.

تُعتبر سطايح اليوم نموذجًا مثاليًا للتنمية السياحية المستدامة، حيث يتكامل فيها الاقتصاد البيئي مع حماية الطبيعة، فهي لا تقدم فقط تجربة غوص فريدة أو لقاءً مباشرًا مع الدلافين، بل تمنح السائح لحظة نادرة من السلام والتواصل مع عالم طبيعي لا يزال يحتفظ بنقائه وصفائه، في مكان تتراقص فيه الدلافين بحرية، وتتحدث فيه الشعاب المرجانية بلغتها الصامتة العتيقة، لتعلن أن البحر الأحمر لا يزال يحتفظ بكنوزه، وأن شعاب سطايح، في أقصى جنوبه، هي جوهرته الأثمن التي تستحق الحماية والفخر والانتباه الدائم.

– صورة أرشيفية
– صورة أرشيفية
– صورة أرشيفية
الدلافين – صورة أرشيفية
الدلافين مصدر جذب سياحى – صورة أرشيفية.